mercredi 10 avril 2019

عربية الصحافة


كلية الآداب والعلوم الإنسانية                              الأستاذة: رحمــة توفيـق
   مسلك الدراسات العربية 
          الجديدة

                                
عربية الصحافة

       نتناول، في هذا المقال، بعض خصائص لغة الصحافة. ومن هنا نتساءل: هل للصحافة لغة خاصة بها تتميز عن لغة الأدب، أو تختلف عن لغة العلوم بشتى أنواعها من رياضيات وفيزياء، وعلوم طبيعية وإعلاميات؟ وما الفرق بين عربية الصحافة والعربية المعيار؟
العرض منظم بالشكل التالي: في نقطة أولى، نتحدث عن خصائص لغة الصحافة ، إضافة إلى ذلك،نشير إلى عدد من الأخطاء اللغوية التي تستخدم في عدد من  الجرائد وبعض الأذاعات. في نقطة ثانية، سنتحدث عن الأسباب التي تؤدي بالصحافي للبحث عن لغة متميزة خاصة بالصحافة. نقدم في نقطة ثالثة، أهم المصادر التي يعتمدها الصحافي في تحرير مادته الصحفية.

1- بعض خصائص لغة الصحافة

     نتناول، في هذه الفقرة، بعض الخصائص التي تتميز بها اللغة الصحافية التي تختلف عن لغة العلوم لكونها تتجاوز التحدث مع الفئة المتخصصة إلى فئة واسعة ذات مستويات متنوعة.
إذا تأملنا لغة الصحافة المقروءة أو المسموعة نجدها تتميز بمجموعة من الميزات والخصائص، منها أنها تحرص على مراعاة قواعد اللغة العربية، وتعتمد البساطة والوضوح والسلامة النحوية والدقة في تقديم مادتها الإخبارية للجمهور [1] .و تهدف إلى احترام قواعد النحو والصرف، زد على ذلك، أنها تحاول توظيف عدد من الألفاظ من العامية التي تكون من أصل عربي.
ويعرف المهتمون بدراسة لغة الصحافة بتلك اللغة البسيطة السهلة التي تتوجه للقارئ العادي، كما تتوجه للقارئ المثقف دون أن يحتاج أحدهما إلى معاجم، أو يبذلا جهدا ذهنيا شاقا لاستيعاب المادة الخبرية المقروءة والمسموعة.
     وترتكز اللغة الصحافية على قاعدة أساسية في تحرير المادة الصحافية هي: إننا نكتب ليفهمنا الناس .فهي لغة تسعى إلى أن تكون لغة مألوفة سهلة للفهم، بعيدة عن المصطلحات العلمية المتخصصة غير المفهومة. لهذا السبب يبحث الصحافي دائما عن لغة بسيطة ومفهومة من قبل الأجيال المختلفة ومن ذوي المستويات الثقافية المتباينة. وليست مطبوعا يتوجه إلى جمهور خاص بل إنها لغة تحاول الوصول إلى جميع فئات المجتمع بأسرع وقت، وبأرخص ثمن. لهذا السبب تسعى هذه اللغة أن تكون قادرة على إبلاغ وإيصال الرسالة المتوخاة لجميع القراء.
    وتسعى لغة الصحافة اعتماد قواعد اللغة العربية في تحرير مادتها الإخبارية. إذ تستخدم جملا قصيرة، وتحاول الابتعاد من استعمال كثرة الصفات. لنمثل لذلك بما يلي:
1- زيد رجل مجاهد ومناضل وشهم ومكافح
2-كان زيد رجلا ماكرا مخادعا مراوغا
وتحاول  تجنب البناء للمجهول قدر الإمكان، لأن البناء للمعلوم يعبر عن المعنى بطريقة مباشرة، ويكسب التعبير قدرا كبيرا من الحيوية عندما يرتبط بفاعله مثل:
3)أ)قُتل زيد
بدلا من:
3)ب)- قُتل زيد من طرف المجرم
وتحاول  هذه اللغة أن تبتعد قدر الإمكان عن الكلمات المألوفة، والجمل الجاهزة مثل:
4-لا ناقة لي فيها ولا جمل
5-عادت المياه إلى مجاريها
6-أخد حصة الأسد
ولغة الخبر في جوهرها هي محاولة الإجابة عن الأسئلة الستة مثل: ماذا ومن ومتى وأين وكيف، ولماذا. ويتغير موقع كل واحد منها حسب نوعية كل خبر. ويجب أن تكون لغة الخبر، كما سبق الذكر بسيطة، واضحة ودقيقة. لذلك يجب تجنـب الكلمات الغريبة، واستعمال جمل قصيرة ومألوفة تتفادى التكرار والاستطراد.[2]

   وإذا تمعنا في المادة الصحفية المقروءة أو المسموعة نلاحظ أن الصحافة تستعمل عدة أفعال دون أخرى، لها حمولة دلالية معينة تفيد معنى معين ومحدد لا تفيده باقي الأفعال، مثل:
أعلن- أشار-لاحظ أوضح-شدد- أكد- دعا-التمس- أشاد - ندد- تعهد-حذر-عبر
 فالفعل قال مثلا له حمولة دلالية متنوعة ومختلفة عن أفعال، مثل: صرح وأكد وأعلن. لذلك كان الصحافي يتعامل بدقة مع توظيف هذه الأفعال من الناحية الدلالية ، ويضعها في سياقها المناسب، ويبين الفروقات الدلالية بين كل فعل على حدة في صياغة صحفية معينة. إضافة إلى ذلك، نلاحظ  أفعال المواقف والرأي بصيغة التأكيد والحسم، ومن ذلك: أفعال تستخدم لنفس المعنى خطأ:
طالب- دعا- ناشد- التمس.
-     أفعال تتعلق برأي وليس حقيقة راسخة، وتستخدم بصيغة التأكيد:
-     أكد- لاحظ- أشار- شدد- اعترف- أوضح
-     أفعال تتعلق بموقف، ويوظفها الصحافيون أينما شاءوا:
- ندد-شجب-حذر-شدد على –تعهد
-     أعلن-قال- أوضح-أشار
 فالتدقيق في كيفية استعمال معاني الأفعال، سواء كانت أفعال النشاط والرأي أو المواقف تساعد القارئ في وضعها في سياقاتها الطبيعية، وتبين الفروقات الدلالية بين فعل وآخر، إلا أن هناك عدد من الصحافيين يرتكبون عدة أخطاء تركيبية ودلالية سواء في الصحافة المكتوبة أو المسموعة.

2- الصحافة والأخطاء الشائعة

تستخدم في اللغة الصحافية عدد من الأخطاء أصبحت شائعة ومألوفة عند العديد من قراء الصحف ومستمعي الإذاعات لكثرة استخدامها ،وهي لا تشمل المفردات فقط بل  تضم حتى عدد من التراكيب والعبارات اللغوية، ومثال ذلك:
Haut du formulaire
- لم أزره أبداً؛ فكلمة (أبداً) هي عبارة عن ظرف زمان يدل على الاستقبال والاستمرار، ولا يأتي في سياق الماضي، إذ يمكن أن نقول لن أزوره أبداً، مستدلين بقول الله تعالى: ( فقلْ لن تخرجوا معي أبداً) [3]، أو يقال: ما زرته قطُ، لأن «قطُ» ظرف للماضي على سبيل الاستغراق، أي يستغرق ما مضى من الزمن، ويؤتى به بعد النفي للدلالة على نفي جميع أجزاء الماضي.
-  نفذ الشيء بمعنى انتهى، «ونفذ السهم أي: مرّ، ومثله: نفذ الماء من الصنبور. والأفضل أن يقال نفد؛ وتدل على الشيء إذا انتهى وفني. وقال سبحانه  وتعالى: (ما عندكم ينفد وما عند الله باق)[4] .

-نواياه حسنة، ومنه سفير النوايا الحسنة، والصواب: النيات؛ لأنها جمع نية، وفي الحديث: «إنما الأعمال بالنيات» ولم يقل بالنوايا.[5]
-  كافة الصحف، والصحيح: الصحف كافة؛ لأن «كافة» تعني: جميع، أو كل، ولا تقبل (كافة) الإضافة إلى ما بعدها، أي: لا تقبل الوقوع ضمن الجُملة، وهي هنا منصوبة على الحالية دائماً.
ومن الأخطاء الشائعة،كذلك الواردة على ألسنة العديد من مذيعي الإذاعة والتلفزيون والفضائيات ومقدمي البرامج كلمة (الدولي)، حيث تنطق بضم الدال والصحيح بفتحها، لأن النسبة تكون للمفرد وليس للجمع. والأخطاء الشائعة كثيرة حتى صنف فيها الباحثون كتباً يضيق عن ذكرها المجال. زد على ذلك، يستعملون  جمع مدير على مدراء، والصحيح مديرون، إذ يقيسون مدير على سفير ووزير وأمير التي تجمع على سفراء ووزراء وأمراء، وهو قياس خاطئ؛ لأن وزير وسفير وأمير مشتقة من الثلاثي: وزر، وسفر، وأمر، والياء فيها لبناء صيغة فعيل . بينما مدير مشتق من فعل رباعي : أدار. واسم الفاعل من الرباعي يأتي على وزن مضارعه مع إبدال يائه ميمًا مضمومة وكسر ما قبل الآخر . فيقال : أقبل يقبل مُقبِل، على وزن مُفعِل، ومثلها أدار يدير مُديرا.
ومن الأخطاء الشائعة، كذلك،  في الصحافة العربية استعمال حرف الترجي ( لعل ) مع الفعل الماضي، وهو يفيد ترجي ما يمكن حدوثه مستقبلا؛ إذ يقولون: لعله ندم على ذلك، والصواب لعله يندم، ولم تأتِ لعل في القرآن متلوة بالفعل الماضي أبدا، ومن هذا قوله تعالى: ( لعل الله يحدثُ بعد ذلك أمرا )[6].
 ومن بين الأخطاء الشائعة  ورود كلمة بئر مذكر، إذ يقال: هذا بئر عميق، والصواب هو: هذه بئر عميقة  وإذ تجمع بئر على آبار، وتُصَغَّر على بؤيرة .

ومن الأفعال الشائعة في العربية فعل اعتبر حيث يقال: اعتبرت فلانا صديقا، والأصح عددت فلانا صديقا، فاللغة العربية لا تستخدم اعتبر بهذا المعنى لأنه يعني اتخذه عبرة. قال تعالى: فاعتبروا يا أولى الأبصار[7].
ومن الأخطاء الشائعة في الصحافة المكتوبة : عدم كتابة الألف بعد واو الجماعة المسندة للفعل الماضي كتبوا، والأمر اكتبوا، والمضارع المنصوب والمجزوم بحذف النون: لن تكتبوا ولم يكتبوا، وهذه الألف تسمى الألف الفارقة؛ لأنها تفرق بين واو الجماعة المسندة للأفعال، وواو الفعل الأصلية كما في: يدعو ويرجو ويسمو، فلا يجوز رسم الألف بعد هذه الواو، كما لا يجوز رسمها بعد واو الجماعة في جمع المذكر السالم مثل : مهندسون ومسلمون ، إذ عند إضافة هذا الاسم تحذف نون الجمع : مهندسو المشروع، ومسلمو العالمِ ، ومن الأخطاء التي تقع هنا إضافة ألف بعد الواو :" مهندسوا المشروع ".[8]
إضافة إلى ذلك، ترتكب في الصياغة الصحافية المسموعة عدة أخطاء نحوية مثل صرف ما يمنع من الصرف ، نحو: حدائقـ،  منازل، وكذا منع ما يصرف، مثل:
أمطار أشجار أخبار
 فصيغة أفعال غير ممنوعة من الصرفـ حسب التصور اللغوي الحديث إذتم قياسها بكلمة أشياء التي جاءت واردة في القران الكريم ممنوعة من الصرف.
عندما نتكلم عن لغة الصحافة يجب أن ننطلق منذ البداية من اقتناع مفاده أن لوسائل الإعلام بأنواعها المختلفة القدرة على التأثير في نطاق علاقاتنا الاتصالية، وعلى الطريقة التي يتحدث بها أغلب الناس. من هذا المنطلق،  يمكن أن نتحدث عن تنمية رصيد الصحافيين اللغوي، وتحسين تعاملهم مع اللغة العربية. إذ نجد، في دول غربية أخرى، وكالات أنباء تهتم بسلامة لغتها، لكونها تتوفر على مراقبين لغويين يهتمون  بتصحيح اللغة التي يكتب بها خبر الوكالة.
كثيرا ما يخطئ الكتاب في نصوصهم التي يكتبونها ويستخدمون كلمات في غير مكانها الصحيح، بعضهم لجهل في أصول اللغة ومعاني الكلمات، وآخرون يستسهلون المعاني الدارجة في العامية ليحلوها محل الفصحى الصحيحة.



2- مصادر الصحافة الأساسية


نحاول في هذه الفقرة أن نقدم أهم المصادر الأساسية التي تعتمدها لغة الصحافة في تحرير مادتها الإخبارية، وهي:
·      اللغة العربية؛
·      اللغة العامية؛
·      الترجمات.
في هذا الصدد، تطرح عدة تساؤلات من بينها: أ تساهم العامية والترجمات التي تعتمدها الصحافة في تقديم خبر دولي بلغة عربية في تطوير لغة الصحافة؟ أم أنها تخلق نوعا من الخلل في حالة إساءة استعمال الصحافي للترجمة الصحيحة؟ أو كيف تساهم هذه المصادر الثلاث المعتمدة في الصحافة في تطوير اللغة الصحافية؟
 إذا نظرنا إلى بعض الصحف نجدها تستعمل في تحرير مادتها الصحافية اللغة العربية واللغة العامية: وإذا تأملنا على سبيل المثال لا الحصر جريدة المساء المغربية نجد عبارات من الدارجة مثل أخبار السوق، التقشاب، شوف تشوف.
لنقدم مثالا آخر توضيحيا مأخوذ من نفس الجريدة:
"الواحد يكون كايدافع على حرية التعبير بالفم حتى يصدق كايدافع على حرية على حرية التعبير من بلاصة أخرى[9]."
بناء على ذلك، نتساءل ألا يمكن أن تعبر الفصحى عن ما يرغب صاحب المقال الوصول إليه؟
قد نلاحظ أن اللغة العامية قد تؤدي وظيفتها من الناحية الاتصالية بالفهم في حدود المنطقة التي تلهج بها. إلا أنه يتقلص دورها كلما ابتعدنا عن موطن اللهجة، وحتى محاولات الفهم تظل صعبة في أغلب الأحيان، لأن عددا من المصطلحات المستعملة في دارجة الشمال تختلف عن دارجة الجنوب، كما تختلف عن دارجة الشرق، أو دارجة الوسط.
ونلاحظ أن هناك داخل العامية الواحدة عاميات أو لهجات إن صح التعبير. فهناك لهجة مراكش، ولهجة الشمال، ولهجة الجنوب: وتكاد تكون الفروقات بين اللهجات  محصورة في المستوى النطقي، وكذا  المستوى الدلالي. إذ نلاحظ أن كلمة سارق يطلق عليها في مراكش  مخار وفي مناطق أخرى شفار.
أما إذا تعلق الأمر بالعربية الفصحى توجد قواميس عدة تساعد على فهم المفردات المستعصية، سواء كانت مفردات علمية أو أدبية. وإذا رغبت الصحافة في استعمال العامية في لغتها يجب التنبيه لصقلها وتهذيبها وترقيتها، وهذا لا يمكن أن يقوم به إلا مختصون في الميدان اللساني في مجال الفصحى والعامية. واعتمادا على ذلك، تساهم وسائل الإعلام بتزويد القراء برصيد لغوي جديد يساهم في ترقية اللهجة وتصحيح نطقها، ورغم المحاولات التي يقوم بها عدد من الصحفيين في توظيف اللهجة في اللغة الصحافية، نلاحظ أن للفصحى مكانا هاما في وسائل الإعلام المسموعة أو المرئية لا تستطيع العامية أن تحتله. وهناك من ينادي بأن تكون العامية لغة التخاطب اليومي، إلا أن مثل ذلك يعد ضربا من الجهل، ومحاولة لإضعاف اللغة العربية.
إن اللغة العربية في الوقت الراهن قد انتشرت انتشارا واسعا مس جميع الميادين والحقول، لكن هذا الاتساع جرى في كثير من الأحيان على حساب مقومات شخصيتها، فبدت للملاحظ أنها لغة عربية في حروفها، وفي بعض ألفاظها، بينما معظم استعمالاتها وتركيبها اتسمت بالاعوجاج والانحراف عن طبيعتها اللفظية ودلالتها المعنوية، الأمر الذي أخرجها من اللغة الواحدة إلى اللهجات المتعددة التي تشمل على خليط من الكلمات الأجنبية  الدخيلة ومن الألفاظ العربية المنحرفة عن الصيغ الأصلية[10].
 إن الدعوة للعامية لها ارتباط وثيق بين اللغة العربية والدين الإسلامي، لأنه لا يفهم الدين إلا بالعربية الفصحى. لذلك، حاولوا إضعافها وتدميرها. وحاولوا أن تكون اللهجات المحلية لغة التخاطب والكتابة والمعاملات.[11]
إذا كانت العامية تستمد ألفاظها من ينابيع لا حصر لها، وإذا كانت وسائل الإعلام السمعية البصرية تشكل المصدر الأساس لتداول الألفاظ والمفردات، فمن الأنفع استغلال هذه الوسائل- كل واحدة حسب طبيعتها- من أجل تزويد الناس برصيد لغوي جديد يساهم في تقوية وترقية اللهجات، ويصحح نطقهم للألفاظ العامية ذات الأصول العربية. [12]
 إن لغة الإعلام تنمي الرصيد اللغوي للقارئ والمستمع، فاللغة الإعلامية تصبح جزءا من حياة المجتمع. لذلك، إذا صلحت صلح لسان القارئ و إذا فسدت  انعكس ذلك سلبا على المجتمع. فالأسلوب الذي تستعمله لغة الإعلام يؤثر في المجتمع بدرجات متفاوتة، وتعادل وسائل الإعلام المدرسة لأعداد كثيرة حرمت من التعليم ولو بشكل قليل.
 ننتقل إلى مسألة أخرى، وهي: كيف تُستعمل الترجمة في اللغة الصحافية. من هنا نتساءل: هل تعتمد الصحافة في تحرير خبرها على مترجمين متخصصين؟
 إن المتمعن في عدد من الجرائد العربية، يجد كلمات وأساليب مستعارة من التعبير الإنجليزي. ونقدم، في هذا الصدد، أمثلة لذلك:
 لم ولن يفهمني
يمكن أن تعد ترجمة حرفية للعبارة التالية:

He did not and will not understand me

ونجد كلمات مثل مسجات، وهذا يجعلنا نتساءل ألا يوجد في اللغة العربية ما يقابل مثل هذه الكلمة، فعوض أن نتحدث عن مسجات نقول رسائل قصيرة.
وفي إطار الترجمة، كذلك، نجد وكالات الأنباء تعتمد في أخبارها على أنباء دولية من وكالات أجنبية أخرى لكن يحصل خلل في معنى الخبر حين ترجمته من لغته الأصل إلى العربية، إذ يفقد الخبر دلالته الأصلية في حالة عدم ترجمته ترجمة صحيحة وملائمة. فما يعتم النص العربي الترجمات الرديئة أو الخاطئة، ويعطي له معنى مخالفا، ويقدم معلومات غير دقيقة، مما يقدم صورة سلبية للغة الخبر باللغة العربية، ويؤدي بالقراء إلى العزوف  عن قراءة الخبر بلغة أجنبية. لذلك، يجب أن يعتمد الصحافي ترجمة سليمة بعيدة عن ما تطرحه الترجمة من سلبيات للغة الصحافة.
 إلا أن كل ما ذكرناه لا ينقص من لغة الصحافة التي تعد أقرب للغة التخاطب اليومي، ولغة المجتمع. فمن الصعب أن نطلب من الصحافي الذي يواجه كمية هائلة من الألفاظ والمصطلحات والأساليب الجديدة أن يتحكم في استعمالها بدقة إذا لم يتهيأ تهيئا لغويا في مرحلة تكوينه الصحافي سواء في مجال اللغة أو مجال الترجمة، ووضع معاجم متخصصة أو متعددة الاختصاصات لكي يجد الصحافي ضالته، حينما يجد صعوبة فيما يبحث عنه أو يكتبه، ومن دون توفير هذه الأدوات لا نستطيع أن نلوم الصحافي على أخطائه، لأن اللغة علم له قواعده، ووسائل الإعلام هي بمثابة معاهد. لذلك، تحاول لغة الصحافة تفادي الأخطاء إلا أن هذا لا يتم إلا بخلق مناصب للمراقبين اللغويين يهتمون بلغة الصحافة تلك اللغة البسيطة  الموجهة إلى جميع الشرائح المجتمعية. إذ تحمل دلالات عميقة ومصطلحات تثير القارئ لقراءة الخبر مهما كان نوعه.
 فمن مميزات لغة الصحافة الأساسية هي حسن الصياغة، لنمثل لذلك بما يلي:


صياغة عادية:
" اتخذت ولاية الرباط قرارا بإصدار تشريعات جديدة خاصة بعمال سيارات الأجرة الصغيرة وحركة المرور داخل الولاية، تبعا لذلك تم إلغاء كافة المخالفات ضد سائقي سيارات الأجرة والتي تبلغ 30 مخالفة."

صياغة صحافية:

منح ثلاثون من سائقي سيارات الأجرة في الرباط فرصة نادرة لتمزيق مخالفات المرور، والتي قيدت ضدهم. فقد وافقت سلطات ولاية الرباط على عدم متابعة هؤلاء السائقين، وذلك بعد إصدارها تشريعات جديدة تنظم عمل سيارات الأجرة وحركة المرور داخل الولاية"[13].
ويعتقد الجميع أن استعمال عبارات جذابة تؤدي بالقارئ لتلذذه بتعابير الخبر المنمقة مهما كان مضمونه  سواء كان سارا أو غير سار.
وتعتمد لغة الصحافة في صياغة بعض أخبارها على الهرم المقلوب الذي يرتكز على قاعدة ثلاثية مفادها:
1-             أهم ما في المقال الفقرة الأولى؛
2-             أهم ما في الفقرة الأولى الجملة الأولى؛
3-             أهم ما في الفقرة الأولى بدايتها.

 قال الشاعر: "والأذن تعشق قبل العين أحيانا" فالصحافي يحاول أن يقدم مادته وفق أسلوب أكثر سحرا ووضوحا. وعليه أن يرسم بالكلمات صورا حية للقارئ أو المستمع. واختيار الصحافي للكلمات المنمقة يكون عملا مقصودا، ومعتمدا على دراسة دقيقة للغة المستعملة على المستوى الدلالي للكلمات، وما تثيره هذه الكلمات من تأثير على أذن السامع أو القارئ. وتتكون المادة الإعلامية في الإذاعة من عدة عناصر منها الكلمات المنطوقة، المؤثرات الصوتية، الموسيقى، اللغة المنطوقة تتميز بالسرعة، الواقعية وتستعمل عدد ا قليلا من الكلمات للتعبير عن عدد كبير من الأشياء بطريقة واضحة وبسيطة ومؤثرة[14].
 وهناك عدة فروقات بين الكتابة المقروءة والكتابة المسموعة. وتتجلى هذه الفروقات في القدرة على جلب الجمهور وتحديات الوقت، ويكون صحافي الإذاعة مجبرا على اختصار الأخبار، بحيث لا يمكنه التطرق إلى كل الأحداث التي تتطرق لها لغة الصحافة المكتوبة.
ونشير،كذلك، إلى أن لغة الصحافة أنواع نذكر منها:
لغة التقرير[15]: التقرير الصحافي هو نوع صحفي قائم بذاته، ويكتب بطريقة مختلفة للخبر الصحفي وبأسلوب بسيط وواضح، ويرتكز على جمع أكبر كمية من الحقائق والمعلومات، في أقل قدر ممكن من الكلمات؛
 لغة الافتتاحية[16]: تعتمد على المنطق و وقوة الإقناع والبساطة والقوة في التعبير.
لغة التعليق[17]: لغة محكمة لا تحتمل سوء التوظيف وتأبى سوء فهم الأحداث.






خاتمة:

  بينا أن أن لغة الصحافة تعتمد في تحرير مادتها على معايير عالمية وذلك من أجل جلب القارئ لقراءة خبر ما بالاعتماد على التحكم الجيد في فنون التبليغ والبيان والإقناع، إذ تتراوح هذه اللغة بين لغة بسيطة تستعمل في الخبر والتقرير، ولغة معقدة تستعمل في التحقيق والحديث الصحفي.
ويمكنها أن تخدم اللغة العربية بطرق شتى، منها:
 صقل لغة الناس وتحسينها، والتأسيس للغة مشتركة بين العامية والعربية الفصحى.
 ونقترح أن  تكون المراقبة اللغوية ضرورة وملحة لأية لغة في مجال الإعلام، لأن اللغة العربية دائما متجددة وقادرة على التأثير والتأثر. وهدف الصحافي البحث عن مصدر الخبر، المصدر الصادق، ويهتم، كذلك، بتأريخ لحظة الخبر أكثر من اهتمامه بالطريقة التي يحرر بها النص.
 وأسلفنا أن للصحافة دور هام ، وذلك، بالتأثير الفعال في أوساط المجتمع، لذلك تقع على عاتقها مسئولية تنامي الأخطاء الشائعة وترسيخها. بذلك، يتعين على الصحافيين العمل على تبسيط اللغة والمحافظة على الأسلوب السهل الذي يتوخى وصول المعارف إلى جميع الفئات  حسب المستوى اللغوي والعلمي لتلك الفئة، مع السعي لإيجاد الحلول المناسبة لأسلوب الخطاب يمكن الصحافة بوصفها أداة فاعلة في المجتمع من إيصال وتدعيم دورها المطلوب في مجتمعاتنا بكل سهولة وبساطة.








مدى تأثر اللغة بالصحافة :

بالحقيقة إن الصحافة طوعت اللغة ، وجعلتها مرنة ، تفي بمتطلبات العصر ، كما تستوعب التطورات العظيمة المصاحبة للنهضة فنلاحظ شيوع الألفاظ الجديدة ، ومصطلحات حديثة ، وتوسيع آفاق اللغة، وتطورات أساليب اللغة في العلوم ، الفنون ، الاجتماع ، السياسة .
لكن بقدر ما أثرت الصحافة في اللغة إيجابا ، كان لها تأثير سلبي ، فبسبب ضعف الكوادر واتساع هذه الوسيلة وغياب العنصر المثقف المهني فيها ، أدى إلى ضعف لغوي أدائي وإعلامي انعكس على الصحف نفسها ، وسبب ضعفاً في أبوابها ، فهي تعتبر منبرا إعلاميا جماهيريا وثقافيا وسياسيا وديمقراطيا ، لكن كل من يكتب بها نسي ذلك فراح يكتب بأسلوب أدبي ، ذاتي ، بعيدة عن اللغة الإعلامية الجماهيرية الفصيحة المبسطة ، فقدت الصحيفة هذا المنبر .
فالإغراق في استخدام العامية، وتهجين الفصحى مما جعلها ضعيفة في بلورة فصحى مشتركة . فيظن معد و البرامج أنه حينما يسهل اللغة الفصحى تصبح لهجة عامية دارجة كي يفهم الجمهور ، لكنه يحاول عبثا فتظل على الجمهور صعبة .


الفصحى المشتركة لغة الحضارة الإعلامية
الإعلام فن حضاري ، ولغته لغة جديدة ، وهي تعد نظاماً إعلامياً، فمشكلة اللغة ، بحد ذاتها في فاعلية وسائل الإعلام الجماهيرية ، فمثلا : البلدان التي تتعامل بأكثر من لغة واحدة ، تواجه الجهات المسؤولة صعوبة في تعميم الإعلام الجماهيري ، أما البلدان التي تتعامل بلغة قومية، فالمشكلة تكاد تنحصر إلى حد ما ، وقد بشّر " ويلز" قبل عدة عقود بلغة جديدة ، وبلاغة جديدة ، وعـبّر أن حاجة العصر تستلزم لغة إعلامية جديدة .
ذهب بعض الباحثين إلى أن الناس تبني حضارتها وفق عالم اللغة ، فهؤلاء يخضعون إلى عالم اللغة التي هي وسيلة تعبير لهم ، والواقع يرتكز لا شعوريا على العادات الغوية للجماعة ولا تحيط بالنطاق المادي، والحياة الاقتصادية فقط .
إن وسائل الإعلام الجماهيري بما فيها اللغة ، أصبح لها تأثير عظيم على عقول الناس ، وعلى سلوكهم ، وتغيير مداركهم ، ومواقفهم الخاصة ، وتشكيل آرائهم ، فهي تجعلهم ينزعون إلى التجديد وإلى تحمل المسؤولية ، والإسهام في عمليات التنمية القومية ، على جميع الصعد .










لائحة المراجع:


بليبل، نور الدين الارتقاء بالعربية في وسائل الإعلام، كتاب الأمة، العدد84، رجب 1422
فارح محمد، مقابلة مع أسبوعية الأحداث، العدد61،  23 – 29/ أبريل2000م
الخطيب التميمي، عز الدين ،التآمر على اللغة العربية، مجلة الأمة، رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية، قطر، السنة الأولى،1401  هــ،
شرف، عبد العزيز ،المدخل إلى وسائل الإعلام، القاهرة: دار الكتاب المصري، 1989
  فاروق أبو زيد، فن الكتابة الصحفية، الجزائر ديوان المطبوعات الجامعية 1985 م
كرم جان جبران ، المدخل إلى لغة الإعلام، ط1 بيروت دار الجيل،
جبريل طلحة ، عربية الصحافة -1997- منشورات معهد الدراسات والتعريب الرباط



[1] عبد العزيز شرف، المدخل إلى وسائل الإعلام القاهرة: دار الكتاب المصري، 1989 ص 334
[2]  فاروق أبو زيد(1985): فن الكتابة الصحفية الجزائر
[3] سورة التوبة، الآية، 83.
[4] سورة النحل، الآية 96.
[5]  من الأخطاء الشائعة، حسناء عبدالعزيز القـنيعـير،
[6]    سورة الطلاق، الآية 1.
[7]   سورة الحشر، الآية رقم 2.
[8]   من الأخطاء الشائعة، حسناء عبدالعزيز القـنيعـير،
[9] عدد 374/1-2/   2007،    
[10] محمد فارح، مقابلة مع أسبوعية الأحداث، العدد61،  23 – 29/ أبريل2000م.
[11] عز الدين الخطيب التميمي، التآمر على اللغة العربية، مجلة الأمة، رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية، قطر، السنة الأولى،1401  هــ، ص 90.
[12] الارتقاء بالعربية في وسائل الإعلام، كتاب الأمة العدد: 84،  رجب 1422 .ص، 113.
[13] طلحة جبريل، عربية الصحافة -1997
[14] جان جبران كرم، المدخل إلى لغة الإعلام، ط1 ، بيروت دار الجيل، ، 1986 ص.118
[15]  بحث عن موضوع معين، فهو محاولة لترجمة الملاحظة للواقع المادي في عبارات مكتوبة.
[16]  المقال الذي يحمل رأي الصحيفة أو المجلة وموقفها من القضايا والمشكلات والاتجاهات الهامة، داخلية أو خارجية.
[17] تقديم وجهة نظر الصحافي لموضوع من موضوعات الساعة، لكشف كوامنها.