1المقال رقم
الجهة والزمن في اللغة العربية
[10]نفسه1
الجهة والزمن في اللغة العربية
نعالج، في هذا المقال، خصائص
مقولتين وظيفيتين هما:الزمن والجهة في اللغة العربية. ويعد الزمن أحد مقولة وظيفية
اساسية في تكوين بنية الفعل. و باعتباره كذلك فإن الحديث عن الفعل يستلزم استحضار
الزمن. ونظرا للتعالق بينهما .إلا أن
الزمن لا يرتبط بالمستوى التركيبي فحسب، بل نجده بارزا في مستوى الصرفي كذلك، وبهذا
نكون أمام زمنين: زمن صرفي وآخر نحوي.
ولأن الزمن
والحدث يرتبطان لتشكيل بنية الفعل ،فإن دراسة عنصر الزمن وحده في الفعل ليست
كافية، بل لا بد من دراسة تتناول الحدث في
الفعل في علاقته بالزمن وهذا ما التفتت إليه الدراسات الجهية، ذلك أن مفهوم الجهة " يراد به ما يميز الحدث دلاليا بغض
النظر عن الزمن النحوي" وبهذا ستصبح دراسة الفعل دلاليا شمولية تتناول عنصري
الفعل معا (الزمن والحدث ) في
تعالقهما وبعدهما الدلالي .
وستحاول هذه الدراسة معالجة الاشكالات التالية
اعتمادا على مجموعة من التصورات ،وهي:
-الزمن بين التصورات النحوية العربية القديمة و المقاربات الدلالية الغربية
الحديثة.
-الجهة في الدراسات اللسانية الحديثة
-العلاقة بين الزمن و الجهة من خلال
نماذج تطبيقية
1.الزمن عند النحاة
العرب القدماء
نن لم يخصص النحاة القدماء، متقدمين ومتأخرين، بابا مستقلا يعرض إمكانات اللغة العربية في التعبير عن
الزمن، ولعل السبب في ذلك أن الزمن لم يكن ظاهرة نحوية واضحة في تصور القدماء،
ولذا تفرقت ملاحظاتهم الزمنية على عدة أبواب،منها:
- الفعل، والمشتقات وأدوات النفي، و
النواسخ، والظروف....إلخ،(1) وهذا يعني غياب نظرية عن الزمن اللغوي عند النحاة، مما
جعل نظرتهم ضيقة فيما يتعلق بدلالة أزمنة الفعل التي تحدها ثلاثية (الماضي،
الحاضر، المستقبل)، وهذا ما سيتبين لنا في محور الفعل والزمن.
1. 1الفعل والزمن
يكاد يتفق جميع النحاة على تعريف الفعل
بأنه " ما دل على اقتران حدث بزمان "(2). ويقصد بـ "الزمان"
ذلك التقسيم الثلاثي المعروف أي: الماضي، المضارع، المستقبل.
وهذا ما يشير إليه سيبويه قائلا:" وأما
الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وبنيت لما مضى ولما يكون ولم يقع و ما هو
كائن لم ينقطع ..."(3) ، فهذا النص
يحدد الأزمنة الثلاثة للفعل وهي :
الماضي :أي ما مضى، ويكون على صيغة "فعل "
الحاضر :ما هو كائن لم ينقطع،
ويكون على صيغة "يفعل ".
المستقبل : ما يكون ولم يقع، ويكون
على صيغة " افعل ".
فالفعل في هذا التصور يرتبط
بالأزمنة الثلاثة ارتباطا نسقيا، فكل فعل يدل على زمن بالضرورة .
ويرى تمام حسان أن للصيغة
الواحدة زمنين: زمنا صرفيا وآخر نحويا ، وقد ميز بينهما
قائلا:" الزمن النحوي وظيفة في السياق يؤديها الفعل أو الصـفة...
والزمن بهذا المعنى يختلف عما يفهم منه في الصرف، إذ هو وظيفة صيغة الفعل مفردة
خارج السياق" (4) .
وبهذا " يطلق الزمن الصرفي
على الزمن الذي يعبر عنه الفعل المعجمي "(5)، ويمكن أن
نسميه بـ " الزمن الخام " وهو قاصر على منح المعنى الدقيق
للصيغة الصرفية ،أي أن الدلالة الزمنية التي نبحث عنها غائبة في هذا
المستوى. و الزمن ليس صيغة وشكلا صرفيا، بل إنه
محتوى دلالي "والدلالة حاضرة في المستوى التركيبي.
ولهذا، سنتجاوز الصيغة المنعزلة
والزمن الصرفي إلى الزمن النحوي لنبحث عن الدلالة الزمنية داخل السياق.
ولنحاول الآن الإجابة عن أسئلة
محورية وهي:
-هل يمكن القول بأن الزمن الصرفي قيد الصيغة وحد من دلالات الزمن؟
هل الزمن النحوي حرر الصيغة ومنح للزمن فرصة للتوليد الدلالي؟
وأين توجد الدلالة الزمنية التي نبحث عنها ؟ و هل هي مقصورة على الفعل أم
تحضر فيه وفي غيره؟
الزمن لا يرتبط بالفعل فقط، بل
نجده حاضرا في المشتقات كـ: اسم الفاعل، واسم المفعول...وغيرهما ،وسنقف عند هما
لتبيان البعد الزمني.
إن الزمن حاضر حتى في بعض
الصيغ التي لا تتضمن الفعل ، أو بعض المؤشرات الزمنية، وهذا ما سنوضحه في نقطتين
مركزيتين في هذا البحث وهما: المعنى الزمني (أو المدلول الزمني ) والدلالة الزمنية
فما المقصود بكل منهما؟
2- المعنى الزمني:
حين نظر النحاة العرب في معنى
الزمن في اللغة العربية كان من السهل عليهم أن يحددوا الزمن الصرفي من أول وهلة
فقسموا الأفعال بحسبه إلى ماض ومضارع وأمر ثم جعلوا هذه الدلالات الزمنية الصرفية
نظاما زمنيا وفرضوا تطبيقها..."(6). إلا أنا المعنى الزمني لا يوجد في الزمن
الصرفي فحسب، "وإذا كان الزمن مقولة صرفية تنتمي للفعل، فإن المعلومة الزمنية
التي تتضمنها هذه المقولة تخص الجملة.
فدلاليا ،كما يقول لاينز (1980) الزمن عبارة عن مقولة جملية"(7).
والزمن لا يكون دائما ظاهرا
على سطح الجملة بل يأتي مضمرا كذلك، ولعل هذا ما يجعله محل تأويل وإثارة لدلالات
مختلفة، لكونه متسترا في العبارات التي لا تتضمن أي مؤشر زمني ، وبهذا فالدلالة
على الزمن موجودة ضمنيا.
ومثال ذلك ما طرحته صيغة اسم المفعول من تعدد دلالي للزمن، هي غالبا ما تدل
على الماضي، إلا أنها تتجاوزه للدلالة على أزمنة أخرى ؟
ولنتأمل العبارتين الآتيتين:
1-ممنوع الوقوف .
2- اتجاه ممنوع .
إن كل متكلم للغة العربية
يستطيع أن يفهم أن المنع يخص المرحلة السابقة على قراءة البنية أو الموالية
لقراءته إياها: إذا كان هذا القول مكتوبا على لافتة في الطريق فإن المنع يخص، من
وجهة نظر المتكلم ،المرحلة الزمنية التي تخصه مباشرة ،وهي مرحلة تواجده على الطريق.
إلا أن هذا المتكلم يستطيع كذلك أن يفهم أن المنع يتجاوز تواجده هو على الطريق (8)
.وبهذا تكون صيغة اسم المفعول قد دلت على معنى زمني أو بالأحرى معاني زمنة.
وعليه يمكن القول بأن المعنى
الزمني ( الدلالة الزمنية) هو المعلومة والفائدة المتعلقة بالزمن التي يمكن أن
نفهمها من عبارة ما داخل سياق محدد.
3-الدلالة الزمنية في اسم الفاعل
اسم الفاعل هو اسم مشتق من
الفعل كقولنا :ضرب ،يضرب، ضارب ، إلا أن ضارب تختلف عن يضرب في الدلالة الزمنية ،
لأن ضارب لا تدل على حصول متدرج للضرب في الماضي وإنما تدل على معنى"
المكتمل" أي التام كما سيتبين في الأمثلة التي سنقدمها في المحور الخاص
بالجهة.
وهذا ما يتضح في المثالين:
- كان زيد يضرب عمرا .
- كان زيد ضاربا عمرا.
كما أن الدلالة الزمنية لاسم
الفاعل تختلف باختلاف موقعه في الجملة ومحله من الإعراب كما هو الشأن في حالتي
التنوين والإضافة :
يرى جحفة مثلا 2006
أن دلالة المضي آتية من جهة الوصف، فعندما نقول :
زيد كاتبُ الرسالة،
يكون "اسم الفاعل "
فاقدا للدلالة الحدثية، فهو عبارة عن صفة، والصفة تثبت في الموصوف قبل وصفه بها.
وعندما نقول:
زيد كاتبٌ الرسالة
،تصير الجملة دالة على النشاط ، أي مكتسبة لسمة الحدثية، والنشاط يحتاج إلى
زمن .فالدلالة الزمنية في حالة الإضافة
مقترنة بالجهة"(9)،أي تام وغير تام كما سنرى في المبحث الآتي.
4-التوليد الدلالي في الزمن النحوي والدلالة الزمنية
التوليد الدلالي بحسب
غاليم 1987" إبداع لدلالات معجمية
وتراكيب دلالية جديدة ،أي أنه يرتبط بظهور معنى جديد أو قيمة دلالية جديدة لوحدة
معجمية موجودة أصلا في معجم اللغة"(10) ولعل التوليد المقصود هنا والمعلن عنه
في عتبة الكتاب يتعلق بالمعجم أي بدلالة الكلمات وما يضاف إلى الدلالة الأولية من
دلالات يستدعيها التركيب، وبهذا فهو يشمل الأسماء والأفعال معا ومن تمة يمكن أن نسميه "توليدا
عاما" في مقابل توليد خاص ونقصد هاهنا، التوليد الذي يكون على
المستوى الصرفي والذي يتعلق بعنصر الزمن في الفعل .
وبهذا يمكن الحديث عن توليد دلالي زمني يرتبط بظهور معنى زمني جديد
أو دلالة زمنية جديدة لصيغة صرفية مثل
" فعل " مرتبطة أصلا بزمن معين هو: (الماضي) ويمكن أن تتولد عن دلالته
الأصلية دلالات أخرى فرعية كـ " الحاضر، أو المستقبل وذلك بحسب السياق.
وسنحاول توضيح فكرة التوليد
الدلالي الزمني ردا على" المستشرقين الذين وصفوا العربية بفقر نظامها
الزمني"(11) متسائلين في الوقت ذاته، هل كان النحاة واعين بفكرة التوليد
الدلالي الزمني حين تحدثوا عن انصراف الصيغ الصرفية عن دلالتها الزمنية الأصلية
ومن ذلك "فعل " الدالة على الماضي؟
لقد وضع النحاة لكل زمن صيغة
تدل عليه فأصبحت مقترنة به دالة عليه دلالة أصلية و أولية فصيغة فعل تدل
على الماضي ،و يفعل تدل على الحاضر وافعل للدلالة على
المستقبل .
إلا أن هذه الصيغ يمكن أن تتجاوز ما وضعت له أصلا ،إذا اقترنت
بلواصق أو بعض الأدوات، لتكتسب دلالات زمنية متنوعة وجديدة، وهذا ما يمكن أن نسميه
التوليد الدلالي الزمني .
يقول الزمخشري: "الفعل
الماضي هو الدال على اقتران حدث بزمان قبل زمانك "(12)
وصيغته " فعل "،و يقول سيبويه :" فأما بناء ما مضى، فذَهَبَ
وسَمِعَ ومَكَثَ وحُمِدَ "(13)
وهذه كلها أمثلة دالة على الماضي في
صيغته الأصلية "فعل ".
غير أن بعض الكتب النحوية
المتأخرة قليلا، قد اهتمت بانصراف صيغة
الماضي" فعل " عن الزمن الماضي إلى الحال أو الاستقبال، فنهجت بذلك نهجا
يوسع دائرة هذه الصيغة للتعبير عن عدة أزمنة (14).
ويكون هذا التجاوز الدلالي لـ
" فعل " في مجموعة من السياقات منها: ألفاظ العقود والاتفاقات، نحو
:بعتك وزوجتك"(15). والدعاء والشرط "
فيدل "فعل " في الدعاء
على الحال أو الاستقبال نحو:" رحم الله فلانا "،وكذلك القول في جملة
الشرط ، (16)إذ يدل "فعل "على الحال أو الاستقبال بحسب القرينة نحو:
1- إن قام زيد الآن قمت .
2- إن قام زيد غدا قمت .
وما قيل عن صيغة " فعل "
واقترانها بالماضي و تجاوزها إياه للدلالة على الحال أو الاستقبال، يمكن أن يقال
عن صيغة " يفعل " التي تدل على المضارع دلالة أصلية وتتجاوزه بوجود
قرائن لتدل في سياقات متعددة على الماضي والاستقبال، والشيء نفسه يقال عن صيغة
" افعل" الدالة على الاستقبال أصلا والذي يمكن تجاوزه إلى الحال.
ومثال الصيغة الدالة على المضارع قولنا :
- أسكن بمدينة الجديدة .
الزمن في هذه الجملة هو المضارع
.وإذا أضفنا إحدى السوابق كـ " السين" انتقل من الحال إلى الاستقبال
فنقول:
سأسكن بمدينة الجديدة.
وبهذا يمكن القول، إن التعبير عن الزمن الواحد بأبنية متعددة ما هو إلا
تجاوز وتوليد دلالي
زمني ومظهر من مظاهر غنى اللغة
العربية واتساعها.
: الزمن عند اللغويين المحدثين
لقد اعتبر التصنيف
الزمني الثلاثي: الماضي والحاضر والمستقبل، غير أساسي في وصف الزمن ، واقترح بعضهم
تقسيما آخر للزمن أكثر تدقيقا ، يتبين من خلاله البعد الدلالي للزمن أي دلالة
الزمن من جهة ، ويستحضر الحدث في علاقته بالزمن في من جهة أخرى، فظهرت نظريات حاول
أصحابها تجاوز النظرة السطحية الزمن، وتبيان البعد الإحالي للأزمنة في اللغات
الطبيعية.
ونشير هنا إلى النظرية الإحالية عند بارتي ونسق ريشنباخ الزمني.لا
1-النظرية الإحالية
تلعب الإحالة دورا أساسيا في
موضعة الفعل زمنيا، ذلك أن "القضية الموسومة بالزمن النحوي ليست فقط مرتبطة
بالزمن أو مقيدة زمنيا : إنها تتضمن إحالة على نقطة أو مرحلة من الزمن لا تعين إلا
بالنظر إلى النقطة الصفر ،وهي نقطة التلفظ" . وبهذا، فالزمن اللغوي عند لاينز
عبارة عن مقولة إشارية داخليا.(17). وقد توصل إلى هذا الاستنتاج بعد أن أقام
تناظرا بين الأزمنة النحوية والضمائر فكلاهما يقوم بوظيفة الإحالة وهذا المثال
يوضح فكرة الإحالة الزمنية.
فعندما يقول المتكلم :أطفأت نار
الوقود.
يمكن أن نفترض وجود زمن معين يحتوي
حدث إطفاء نار الوقود، وأن هذا الحدث تم قبل زمن التلفظ، ويقوم الزمن النحوي
بوظيفة الإحالة على هذا الزمن. (18). ويوضح نسق ريشنباخ هذين الزمنين .
2- النسق الزماني للأفعال " نموذج ريشنباخ
"
يبنى ريشنباخ Reichenbach)") تصوره للزمن على أساس فكرة الإحالة الزمنية
التي يشتق منها ثلاثة مفاهيم وهي (19):
أ- زمن التلفظ : وهو الزمن الذي نتلفظ فيه بالجملة .
ب – زمن الإحالة : وهو الزمن الذي تحيل عليه الجملة (فهو مرتبط بالزمن
النحوي )
ج- زمن الحدث : وهو زمن إنجاز الحدث وتحققه.
وينظر للعلاقة بين هذه الأزمنة
الثلاثة على أنها علاقة ترتيب ( يسبق زمن آخر ) أو علاقة تزامن ( تحصل في نفس
الوقت ).
ويمثل لهذه العلاقة بالبنيات الثلاث بما يلي:
أ- لفظ ، حدث ، إحالة.
ب- لفظ - حدث ، إحالة.
ج- حدث ،إحالة- لفظ .
تعبر الفاصلة عن التواقت ،وتعبر المطة
القصيرة عن أسبقية الزمن الذي قبلها على الذي بعدها.
و هذه أمثلة توضيحية للبنى الثلاث:
أ- تجري المناظرة بين العالمين.
ب- ستجري غدا المناظرة بين العالمين.
ج- جرت بالأمس مناظرة بين العالمين.
جدول يوضح تنظيم ريشنباخ الزمني للعلاقات الوقتية
العلاقة بين
الأزمنة
|
المثال
|
البنية التمثيلية
|
ت تواقت الأزمنة
|
أ أ- تجري المناظرة بين العالمين.
|
أ أ- لفظ ، حدث ، إحالة
|
ز
سبق زمن التلفظ يسبق
|
ب- ستجري غدا المناظرة بين
العالمين.
|
ب- لفظ - حدث ، إحالة.
|
سبق/زمني/الحدث وا والإحالة
يسبقان
|
ج-
ج ج- جرت بالأمس مناظرة بين
العالمين.
|
ج ج- حدث ،إحالة- لفظ .
|
2تعريف الجهة
أصبح
مفهوم الجهة مفهوما ينسرب عبر مجموعة من الحقول المعرفية ومن هنا تأتي صعوبة
تعريفه، وهي صعوبة لا تتجاوز إلا بالنظر إلى الجهة في إطار معرفي محدد، وهو ما
يمكن أن نستشفه من قول جميل الحمداوي:
"الجهة
(L'aspect / Modalité) هي
مقولة منطقية، ونحوية، ودلالية، وبلاغية،و سيميائية. وهناك من يسميها أيضا
بالمظهر، أو الوجهة، أو الصيغة. ومن ثم، فلها تعاريف عدة مختلفة ومتشابكة، يصعب
تحديدها بشكل دقيق ومضبوط وواضح. ويعني هذا أن المفهوم صعب وشائك ومعقد للغاية.
ويختلف مدلوله الاصطلاحي من حقل ثقافي إلى آخر. ولكن يمكن تعريف الجهة وفق حقول
معينة، يمكن إجمالها في: الحقل المنطقي، والحقل اللساني، والحقل السيميوطيقي،
والحقل البلاغي."[1]
ولمعرفة الجهة وما تثيره من إشكالات في مختلف الفروع المعرفية نقترح أن نقاربها من
خلال بعض الحقول المعرفية ومن ثم نكشف عن وظيفتها داخل هذا الحقل أو ذاك.
يطلق مفهوم الجهة
في حقل اللسانيات ويراد به ما يميز الحدث دلاليا بغض النظر عن الزمن النحوي، مع أن
الدلالة والزمن لا ينفكان ما دامت الجهة هي المعطى الداخلي للحدث، تبين معانيه
وتحددها ما بين الآنية والاستمرارية والمحدودية وغير المحدودية، والاتصال
والانقطاع، والتمام وغير التمام، وغيرها من الدلالات... في حين أن الزمن هو
المعطى الخارجي المرتبط أساسا بتحديد زمن/ وقت وقوع الحدث ماضيا أو حاضرا أو
مستقبلا، أو زمن التلفظ به، بل إن الجهة تتجاوز الفعل لتطال مشتقاته من اسم
فاعل أو اسم مفعول أو صيغة مبالغة...
إن النظر إلى الجهة من هذا المنظور يجعل منها صفة أو
"سمة نحوية ومعجمية تلتصق كثيرا بالفعل. كما تلتصق أيضا بالأسماء والصفات
المشتقة، مثل: اسم الفاعل واسم المفعول على سبيل التخصيص"[2].أو
هي " تعبير عن نظرة المتكلم للحدث من حيث كليته أو جزئيته"[3].
من هذا المنطلق تصبح الجهة تعبيرا عن الكيفية التي
يتم بها الحدث، وهي تعبير كذلك عن وجهة نظر المتكلم مما يستعمله من أفعال بغض
النظر عن زمنها، أو هي الطريقة التي ينظر من خلالها إلى الحدث أو الواقعة في
استقلال تام عن المتلفظ بالفعل،
ومن هنا، يرى كومري(Comrie) أن
الجهة هي البناء الزمني الداخلي لوضعية الفعل. ومن ثم، تتقابل الجهة مع الزمن (Temps) من جهة،
والوجه أو الصيغة (Mode) من جهة أخرى.
وبهذا، تكون الجهة مقولة نحوية لكونها ترتبط بالجملة في سياق تلفظي معين،
وتتصل بمجموعة من المعطيات الصوتية والصرفية والنحوية ضمن تركيب محدد في لغة ما ،
فهي لا تنفصل عن زمن الفعل مما يجعل تصور حدث بمعزل عن الزمن والدلالة أمرا متعذرا
، فلا يمكن تحديد طبيعة الحدث، دون استحضار بعده الزمني الخارجي.
وإذا كان الزمن ذاتيا لارتباطه
بالمتكلم أو المتلفظ، فإن الجهة خاصية موضوعية تقترن بالفعل أو بالحدث ارتباطا
بعيدا عن تموضع المتلفظ. وبتعبير آخر" إن الزمن يتعلق أساسا بالأدوات النحوية
التي بواسطتها يرتبط زمان ظهور الحدث بزمان الكلام. أما الجهة، فتخص المجرى الزمني
للحدث ذاته باستقلال عن زمان ظهوره.
وحسب
بول إيمبس(Paul Imbs)[4]فالجهة
تهتم بالخبر من المنظور الداخلي لتطوره وجريانه. في حين يهتم الزمن بالخبر من
المنظور الخارجي.
ويرى الفاسي الفهري1989 أن الجهة هي " مجموع
سمات الحدث التي تمكن من قياسه ووصفه زمنيا. فهو ممتد (Durative) أو غير
ممتد أو لحظي، وهو محدود (Bounded) وغير محدود، وهو تام (Perfective) وغير تام، إلخ. وقد نفرق بين جهة الوضع أو الحدث التي تدعى (Aktionsart)، وهي لازمة للفعل (قبل تصرفه)، وجهة البناء أو التصرف، وهي ما
يدعى عادة بالجهة (Aspect) في دلالتها الضيقة. وهذه الجهة ليست ممعجمة عادة، وإنما يرثها
الحمل المتصرف (الفعل أو الصفة)، عندما يدخل التركيب. ومعلوم أن الجهة تختلف عن
الزمن من عدة وجوه، فالزمن مثلا لا يمكن أن يكون معجما، وهو إشاري (Deictic)، بخلاف
الجهة."[5]
ويمكن التمييز في الجهة بين قسمين:
الجهة المعجمية أو(جهة الوضع) والجهة النحوية أو (جهة
البناء).
الجهة المعجمية تصف الخصائص الداخلية للأوضاع فتصنف الأفعال إلى
ثنائيات ساكنة أو حركية، لحظية أو امتدادية، محدودة أو غير محدودة، استمرارية أو
تكرارية. أما الجهة النحوية فشكل جهي يمثل
وجهة النظر إلى الوضع، أي وجهة نظر المتلفظ بالفعل.
وتعنى جهة الوضع بالخصائص المعجمية للأفعال، أما الجهة
النحوية فليست ممعجمة وإنما يرثها الحمل عند دخوله التركيب / البنية ولذلك سميت
بجهة البناء أو الجهة النحوية.
وهذا التمييز بين الجهة المعجمية (جهة الوضع) والجهة
النحوية (جهة البناء)، لا يلغي الارتباط بينهما، فهما متداخلتان داخل الفعل.
الجهة المعجمية
هناك اختلاف كبير في الدراسات
الجهية من حيث تصنيف الجهة المعجمية (أوجهة الوضع).بحيث قد حظيت بعدة تصنيفات منها
تصنيف/فاندلرVendlerوداوتيDowtyوفركويلVerkuyl.،.وفان فورستVanVorstوسنقف عند نموذج من هذه التصنيفات و هو تصنيف فاندلر الذي يتحدث عن أربعة
أنماط من الأفعال ندرجها كالآتي:
- الحالات (states):
وتصف أوضاعا لها
امتداد في الزمن، أي: ليس لها نقطة بداية ولا نقطة نهاية معلومتين، ومن بين أفعالها: كره - أحب -عرف-فرح...
فهذه الأفعال تمثل حالات ثابتة وغير متغيرة عبر امتدادها، ليس فيها تجزيء أو انفصال بين مرحلة و أخرى. ومعنى
ذلك أننا " نجد نفس الحالات الموجودة في نقط مختلفة هي استمرار أو ثبوث لحالة
واحدة. وهذا يعني أن ليس للحالة بنية زمنية داخلية محددة. فهي متجانسة خلال مدة
وجودها، وتفتقر إلى فواصل زمنية تفصل بين أجزائها. بالإضافة إلى أنها تتم دون مراقبة
من المنفذ لأن الموضوع الخارجي فيها يكون محورا يقع عليه الحدث".
- الأنشطة ( activites)
:
تتضمن الأفعال الدالة على السيرورة لأنها تستمر في الزمن وليس لها نقطة نهاية
محددة تحد من استمراريتها. ومن نماذج هذه
الأفعال: رقص – جرى – لعب...
تمثل هذهالأفعال
أنشطة نظرا لما تتضمنه من امتداد زمني، يجعل منها أفعالا مفتوحة لكن بعكس الحالات
فهذه الأفعال لها بداية واضحة لكنها تلتقي
مع الحالات في امتلاكهما مدة زمنية
ممتدة بشكل لا محدود، وإنما ختلفان في ما يسند إلى الموضوع الخارجي الفاعل من سمة
: (+ منفد) أو (- منفد).
وعن طريق هذه السمة(المنفذ)تصبح ممكنة الامتداد من جهة والحد من جهة ثانية،
لأنها تتشكل من فواصل زمنية تجعلها قابلة للتجزيء وتجعل لها نقطة بداية محددة. في
حين أن الحالات لا يتحقق لها ذلك، فتبقى
بلا بداية ولا نهاية.
- الإنجازات (accomplisments) :
ترتبط بالأحداث ذات الامتداد الزمني
والمحدودية، ومن
أمثلتها :أكل –هدم - كتب -رسم ...
وهي أفعال لها نقطة بداية ونقطة نهاية، بينهما مدة زمنية
فاصلة.
فنقطة البداية في
الحدث رسم هي لحظة وضع اللون على اللوحة والرسم يتم في نقطة زمنية تصبح فيها اللوحة مكتملة.
- الإتمامات (achivements)
:
هي الأفعال التي ينعدم فيها الفاصل الزمني بين لحظة البداية ولحظة
النهاية فهي أفعال لحظية تنصهر فيها نقطتا البداية
والنهاية ولا يمكن أن يتجزأ الحدث فيها إلى مراحل، تمثلها أفعال مثل لمح- وثب-
وجد...
وهذه الأفعال تتم دفعة واحدة، لأنها أفعال لا تقبل التجزيء ولا
التقسيم إلى أحداث فرعية، بل هي حدث مندغم في الزمن لا تنفصل
بدايته عن نهايته."ومن هنا،
لاتختلف الإتمامات عن الإنجازات إلا بفرق بسيط يتمثل في استغراق مدة قصيرة. وعليه،
تتميز الأفعال المتحركة عن الأفعال الساكنة بخاصيات متعددة، مثل: الحركة،
والصيرورة، والتكرار، والتدرج، والتغير في الزمان أو الاستمرار فيه تكرارا
اعتيادا..."[7]
الخصائص الجهية
تقوم الأنماط الجهية على ثلاث خصائص جهية أساسية:
ويمكن
التمثيل لذلك بالجدول الآتي:
الخصاص
الجهية
أنماط
الجهة المعجمية
|
تغيير
|
امتداد
|
محدودية
|
إنجازات
|
+
|
+
|
+
|
أنشطة
|
+
|
+
|
-
|
إتمامات
|
+
|
-
|
+
|
حالات
|
-
|
+
|
-
|
يتبين من الجدول أعلاه أن كل طبقة تشترك مع طبقة أخرى في خاصية وتختلف عنها في خاصية أخرى، ويعتبر التمييز بين الموجب والسالب في
هذه الخصائص رائزا أساسيا في تصنيف المقولات الجهية.
الامتداد:
هو الفاصل الزمني أو المدة
الزمنية التي تفصل بين نقطة البداية وبين نقطة النهاية. وإذا نظرنا في طبقتي
الإنجازات والإتمامات نجدهما تتميزان بنفس الخصائص، غير أنهما تختلفان في المدة
الزمنية التي تفصل بين نقطتي البداية والنهائية.
" نجد من لا يميز بينهما
ويعتبرهما طبقة واحدة. وبناء على هذا كان تصنيف الأوضاع ثلاثيا عند بوستويفسكي وثنائيا عند الفاسي الفهري "[8].
إذا كانت الحالات والأنشطة
تشتركان في خاصية الامتداد كما جاء في الجدول، فإن هذا الامتداد يختلف بينهما. فهو
في طبقة الحالات امتداد مطلق أما في الأنشطة فهو امتداد نسبي، لأنه يستغرق مدة
زمنية محددة يتوقف عند نهايتها.
المحدودية:
تعرفها كارول تيني Tenny بكونها
خاصية جهية تساعدنا على معرفة طبيعة الوجهة التركيبية الدلالية.
ويعرفها الفاسي الفهري ، بكونها خاصية حدث ما، له نقطة نهاية
محددة في الزمن، تكون هي أحد موضوعات الحمل.
للتمييز بين المحدودية وعدم المحدودية استعمل فاندلر
وداوتي وتيني بعض الظروف الزمنية مثل في ساعة، و مدة ساعة،
لقياس المحدودية،
كما يتضح في المثالين التاليين:
أ:نام زيد في ساعة
ب: نام زيد مدة ساعة
" نلاحظ أن هناك تنافرا بين
طبيعة الوضع في الفعل نام والظرف الزمني في ساعة، وهذا ما
يبرر لحنها. فحدث النوم يمكن أن يمتد فيستغرق فترة محدودة من الزمن. ولهذا يكون التأويل المناسب
للظرف الزمني في ساعة هو أن الحدث يمتد مدة ساعة و يتوقف"[9].
أما التأويل المناسب للظرف مدة ساعة،
فيعني أن الحدث يستمر ولا يتوقف بالضرورة بعد ساعة. فحدث النوم هنا يمكن أن يستمر
ويمكن أن يتوقف عند انتهاء الساعة، لأن مدة ظرف زمني تقديري وليس مضبوطا.
إن خاصية المحدودية لا تتوقف على الفعل فقط، بل تقوم على مكونات الجملة ككل
كما جاء في الأمثلة.
يكون الوضع محدودا إذا توفر على
نقطة زمنية توضح نهاية الحدث، وغير محدود إذا لم نجد فيه هذه النقطة ."ونشير
إلى أن هذه النقطة لا تكون ظرفا زمنيا فقط وإنما قد تكون مركبا حرفيا أو موضوعا
داخليا أو خارجيا"[10].
التغيير:
ينجم عن هذه الخاصية تصنيف الأوضاع إلى ساكنة (Stativity) وحركية (Dynamicity).
ويتأسس هذا التصنيف على روائز وضحها بعض دارسي
الجهة كما هو الشأن عند داوتي والتوكاني و الفاسي الفهري ... وتتمثل في كون
الأوضاع الساكنة لا تبنى إلى صيغة الأمر
ولا تظهر مع بعض الظروف مثل عمدا، ولا يمكنها أن تدل على التدرج، وبناء على
هذه الخاصية تم تصنيف أنماط الأوضاع إلى نمط المحمولات الدالة على الحالات ونمط
المحمولات الدالة على غير الحالات.
الجهة النحوية
وتولد الجهة النحوية (أو
جهة البناء) عندما يدخل الفعل التركيب ويتفاعل مع باقي مكونات الجملة. وتسمى بجهة الصيغ لأنها تأتي في شكل صيغة.
إذا نظرنا إلى صيغة الفعل المتصرف يصعب علينا فصل لاصقة
البناء عن لاصقة الزمن. أي أن مقولات البناء والجهة والزمن تنصهر في بعضها، ولا
تمثل إلا صرفية واحدة.
يقول الفاسي الفهري
:
"جهة البناء أو
التصرف، وهي ما يدعى عادة بالجهة في دلالتها الضيقة. وهذه الجهة ليست ممعجمة عادة،
وإنما يرثها الحمل المتصرف ( الفعل أو الصفة)، عندما يدخل التركيب".
فجهة البناء تأليفية و ليست مستقلة في المعجم. تتفاعل
جهة البناء مع الزمن فتنتج صورا مختلفة
ترتبط بدلالات جهية معينة.
يةتعتبر السمتان [+ماض]
و[-ماض] رائزين يؤكدان وجود مقولة الجهة في اللغة العربية. فالصيغ التي توسم ب
[+ماض] تنتمي إلى المقولة الجهية التمام(Perfective). أما الصيغ التي توسم ب [-ماض] فتنتمي إلى مقولة
اللاتمام(Imperfective).
التمام واللاتمام
يرى
كمري أن الفعل الذي يكون تاما يدل على أن
الوضع شيء واحد متصل دون التفريق بين المراحل المختلفة التي تكونه،في حين عدم التمام قد يقبل
التجزيء.
يحدد التمام بكونه ينظر إلى الوضع من الخارج دون التمييز
بين مراحله الداخلية. أما اللاتمام فيصف البنية الداخلية للوضع، له محتوى دلالي
يوصف بكونه غير تام، فهو مفتوح وقابل للتجزيء.
كما في الأمثلة الآتية:
أ)حرر الصحفي المقال
ب) يحرر الصحفي المقال
يصف الفعل حررفي (أ) حدثا تاما يتشكل من بداية ووسط ونهاية، بحيث أصهرت فيه
نقطتا البداية والنهاية. نعبر عنه ب [+ ماض].
ويصف الفعل يحرر في (ب) حدثا قابلا للتجزيء، نعبر عنه
بصورة [- ماض]
ومن المفاهيم الجهية التي يعبر بها عن اللاتمام:
العادة:
العادة هي مقولة جهية تصف الأوضاع الممتدة في الزمن وتتكرر في
مناسبات متعددة، بخلاف التكرار الذي يفيد أن الوضع يتكرر خلال مرات محدودة.
كما أن الوضع يمكن أن يدل على عادة دون أن يوجد أي تكرار
على الإطلاق. وتبقى السمة المشتركة بينهما هي المستقبل لكونها تصف أوضاعا تتميز
بالامتداد الزمني . العادة تصف الأوضاع التي تتميز بالامتداد الزمني و
الاستمرارية، مما يجعلها توسم ب [+مستقبل]. وما يؤكد هذا أنها تستعمل مع بعض
الظروف التي تدل على الاستمرار مثل:بانتظام،دائما، كل يوم، كل ساعة، كل لحظة.
- يتمسك
المسلمون بالقدس.
-يقرأ عمرو
الجريدة كل صباح.
-يمارس زيد
الرياضة بانتظام.
- يرسم الرسام
الاستمرارية
الاستمرارية هي الامتداد الزمني الداخلي
للحدث في الفرصة الواحدة. ويرتبط بكل أنماط الأوضاع سواء كانت أحداثا أو حالات.
ويختلف الاستمرار بين هذه الأنماط، مما يجعلنا نميز بين الاستمرار المتدرج، وبين
الاستمرار غير المتدرج .
- يكتب زيد قصة (+
استمرارية + تدرج)
- يحب عمرو الرسم
(+ استمرارية – تدرج)
فحدث الكتابة حدث
مفتوح من حيث الفواصل الزمنية الدالة على الامتداد الزمني إذ ليست له نقطة نهاية
مضبوطة ، وهو يتصف بالتدرج، والحب يصف حالة تتصف بالاستمرارية ولكنه خال من التدرج.
3- العلاقة بين الزمن و الجهة من خلال نماذج تطبيقية
إذاكانت دراسة الزمن يرتبط بالدلالة الزمنية خارجيا فإن دراسة الجهة تتربط بما هو داخلي وتهم بالحدث في علاقته بالزمن ،
وعليه فإن الجهة والزمن متعالقان في اللغة
العربية.
ويرى الدكتور كمال رشيد
أن" الزمن النحوي هو امتزاج الزمن بالجهة"(20) ،فصيغة" فعل
"مثلا تتصرف جيهيا وزمنيا (21). يعني هذا أن النسق الفعلي العربي "نسق مزدوج ذي وظيفة جهية/ زمن.
"(22). لكن هذا لا ينفي وجود بغض الأفعال الأحادية البعد مثل كان التي تدل
على الزمن دون الحدث والجهة.
يعد الفاسي الفهري (1993 ) من
الدارسين المحدثيين الذين وعوا بالتعالق الحاصل بين الزمن و الجهة حيث قدم تصورا زمنيا يعالق بينهما فهو لا ينظر إلى
الزمن نظرة أحادية وإنما نظرة شمولية (23) وهو لم يقص الجهة لكونها تلعب دورا
حاسما في التأويل الدلالي للجملة.
وبناء على التصور أضيفت إلى
الأزمنة الثلاثة سيمات تحدد الجهة وهي التام /اللاتام
ويعتبر الفرق بين التمام وعدمه مركزيا في الجهة النحوية "(24) .
وعليه ، نظرا للتعالق بين الزمن والجهة الذي أشرنا إليه .فإنه لا مفر من تبني تخصيص ثنائي زمني / جهي لصرفة
الفعل.
وبهذا، يتم تحديد الصرفة اعتماد على الثنائية الآتية:
تام/لاتام وماض / لاماض ، ولا شك أن هذه الثنائية وتؤكد وجود مقولة الجهة
في اللغة.
مثل كتب ، تعبر صيغة الفعل عن الماض التام
كما تعبر عن كون الحدث له بداية ونهاية
أما صيغة يكتب أو سيكتب فتعبر عن اللا ماض / لاتام أو غير التام ويكون
متدرجا أي أن الحدث في تدرج تنصهر فيه نقطتا البداية والنهاية.
و سنتبين لنا العلاقة بين الزمن والجهة بوضوح خلال تحليلنا لهذه الأمثلة :
3--2 تحليل
الجمل تحليلا دلاليا بناء على نسق ريشنباخ:
أ- جرت بالأمس مناظرة بين
العالمين.
ب - تجري المناظرة بين العالمين.
ج - ستجري غدا المناظرة بين العالمين.
التحليل:
إذا نظرنا إلى الجمل الأعلاه
بمنظار النحاة نجدها تتوزع بين الأزمنة الثلاثة : ماض (جرت) حاضر ( تجري) مستقبل
(ستجري) ويتوزع كل زمن بدوره إلى ثلاثة أزمنة ، بينها علاقة السابق واللحق، وكل
زمن يحيل على الجهة ، وبهذا نستطيع إدماج الجهة في تحليلنا لهذه الجمل بالاعتماد
على نسق ريشنباخ مستعنين بالجدول الآتي:
الأمثلة
|
الزمن
الرشنباخي
|
التراتبية الزمنة
|
الجهة
|
|
أأ-
جرت بالأمس
مناظرة.بين العالمين.
|
زمن التلفظ:
|
لاماض /حاضر
|
حدث،إحالة- لفظ
أي ( ح- ظ)
= ماض
|
تام
|
زمن الإحالة:
|
ماض
|
|||
زمن الحدث:
|
ماض
|
|||
ب-,تجري المناظرة.بين
العالمين.
|
زمن التلفظ:
|
لاماض /حاضر
|
- لفظ ، حدث
، إحالة.
أي (ظ ،ح )
=
حاضر
|
غير تام
|
زمن الإحالة:
|
لاماض /حاضر
|
|||
زمن الحدث:
|
لاماض/حاضر
|
|||
ج - ستجري غدا.المناظرة بين العالمين.
|
زمن التلفظ:
|
الحاضر
|
- لفظ - حدث ، إحالة.
أي ( ظ-ح)
=
مستقبل
|
غير تام
|
زمن الإحالة:
|
المستقبل
|
|||
زمن الحدث:
|
المستقبل
|
خاتمة:
لقد اهتم النحاة القدامى بالزمن
الصرفي أيما اهتمام فكانت نظرتهم للفعل أحادية البعد حيث ركزوا على عنصر الزمن في
ضوء هذه الثلاثية (ماض، حاضر، مستقبل) في الفعل دون الالتفات إلى الجهة ووظيفتها.ولعل هذا ما جعل مجهوداتهم تتصف بالقصور والمحدودية.
إلا أن اللسانيين العرب المحدثين
،منهم الفاسي الفهري و جحفة، عبد المجيد، استفادوا من النظريات اللسانية عموما
والدلالية على وجه الخصوص فحاولوا سد تلك الثغرة، وبينوا التعالق بين الزمن
والجهة، وهذا ما أكد عدم ثنائية النسق الزمني في اللغة العربية وغناها الدلالي.
وبهذا نكون قد توصلنا إلى أهم الاستنتاجات وهي:
-
النسق الزمني في اللغة العربية ثنائي .زمن/جهة.
-
التوليد الدلالي يتمثل في المستوى الصرفي أيضا، وذلك من خلال تجاوز الصيغ
الصرفية التعبير عن الدلالة الزمنية التي وضعت لها أصلا.
الهوامش:
1. عبد المجيد جحفة، دلالة الزمن
في العربية دراسة للنسق الزمني للأفعال، دار تبقال ، المغرب ،ط الأولى ، 2006،ص
46.
2. ابن يعيش ، شرح المفصل، إدارة
الطباعة المنيرية ، القاهرة، د ط،دت ،ص 243.
3. أبو بشر عمرو سيبويه ،الكتاب ،تحقيق عبد السلام هارون ، مكتبة الخانجي القاهرة ،1988،ج1،ص12.
4. تمام حسان، اللغة العربية
معناها و مبناها ،دار الثقافة المغرب ،ط1994،ص 240.
5. حسين بن علي الزراعي وعبد
الرحمن بن حسن البارقي، النظام التصريفي لأزمنة اللغات وجهاتها ،مجلة الدراسات
اللغوية المجلد 16،العدد 1،ص: 108.
6. تمام حسان، اللغة العربية معناها
و مبناها ،ص242.
7. عبد المجيد جحفة، دلالة الزمن
في العربية دراسة للنسق الزمني للأفعال، ص:29
8. عبد المجيد جحفة، دلالة الزمن
في العربية دراسة للنسق الزمني للأفعال، ص:31
9. أمحمد الملاخ، الزمن في اللغة
العربية بنياته التركيبية والدلالية،منشورات الاختلاف ،ط 1، 2009م،ص41.
10. محمد غاليم ،التوليد الدلالي في
البلاغة والمعجم ،دار توبقال،المغرب ،ط الأولى 1987،ص 5.
11. أمحمد الملاخ، الزمن في اللغة
العربية بنياته التركيبية والدلالية،ص 82.
12. أبو القاسم محمد الزمخشري
،المفصل في صنعة الإعراب ،تقديم الدكتور علي بوملحم ،مكتبة الهلال، بيروت، لبنان
،آخر ط 2000.ص 319.
13. أبو بشر عمرو سيبويه ،الكتاب ،تحقيق عبد السلام هارون،ج
1،ص38.
14. اسمهان ميزاب ، الزمن النحوي
ودلالته، مذكرة لنيل شهادة الدكتوراه،إشراف محمد بوعمامة،جامعة الحاج لخضر
،الجزائر ،2014م، ص23.
15. اسمهان ميزاب ، الزمن النحوي
ودلالته،ص 48.
16. اسمهان ميزاب ، الزمن النحوي
ودلالته،ص 48.
17. عبد المجيد جحفة، دلالة الزمن
في العربية دراسة للنسق الزمني للأفعال، ص:28
18. امحمد الملاخ، الزمن في اللغة
العربية بنياته التركيبية والدلالية،ص 104.
[3]-
نعيمة التوكاني: (لسانيات الجهة في اللغة العربية)، مجلة الفكر العربي،
بيروت، لبنان، العدد:80-81،سبتمبر/أكتوبر1990م، ص:96.
[5]- عبد القادر
الفاسي الفهري: البناء الموازي: نظرية في بناء الكلمة وبناء الجملة، دار
توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1989م، ص:80.
[6]السعدية صغيرندوة أقيمت بكلية الآداب
والعلوم الإنسانية بالجديدة.
[9]نفسه
مقال جيد ودقيق
RépondreSupprimer