mardi 19 mars 2019


بعــــض الخـــصائص الجــهية
 لاسم الفاعــــــل








تقديم:

          نعالج، في هذا المقال، بعض الخصائص الجهية لكل من اسم الفاعل والصفة المشبهة، في اللغة العربية. ونبين أن كل من مفهومي الحركية والسكونية يلعبان دورا أساسيا في التمييز بين هذين النوعين من الصفات.إذ يشتق اسم الفاعل من أفعال تفيد الحركية. في حين، تشتق الصفات من أفعال تدل على السكون. ونبين أن الفرق  بين هذه الصفات يعود، بالدرجة الأولى، إلى خصائصها الجهية وليس إلى أصل اشتقاقها. بناء على ذلك، نتساءل: ماهي الروائز التي يمكن أن نستدل من خلالها على أن لاسم الفاعل خصائص جهية تميزه عن باقي الصفات؟
للإجابة عن هذا التساؤل، نتبنى مجموعة من الأعمال اللسانية التي اهتمت بدراسة الجهة، من بينها فندليرVendler )1967(، كمري Comrie (1976(، التوكاني )1989 (الفاسي الفـــــــــهري (1989))1993 (، بريسول ) 2003( من بين آخرين.
 المقال منظم على الشكل التالي: نحدد، في نقطة أولى، بعض المفاهيم الجهية التي جاءت واردة في بعض الدراسات اللسانية التي اهتمت بدراسة الجهة. ونحلل، في نقطة ثانية، بعض الخصائص الجهية لاسم الفاعل مقارنة مع الصفة المشبهة التي ترد على صيغة فاعل. في نقطة ثالثة وأخيرة، نتطرق لبعض خصائص اسم الفاعل وعلاقته ببعض المقولات الجهية. كما نعتمد عدة روائز من أجل مقوَلته جهيا، وأبرزهذه الروائز هو رائز ظرف المقدار الزمني.

1 .ماهية الجهة

 يحتل مفهوم الجهة أو ما يسمى بالانجليزية aspect مكانا هاما في الدراسات اللغوية القديمة. فالجهة كمفهوم كان سائدا في النحو السلافي يدل على كلمة رؤيةvid .  في هذا الإطار، قدمت تعار يف كثيرة للجهة نورد بعضا منها:
الفاسي الفهري (1990): الجهة هي مجموع سمات الحدث التي تمكن من قياسه ووصفه زمنيا، فهو ممتدdurative ، أو غير ممتد أو لحظي.
و تعرف التوكاني (1990) الجهة بكونها تعبير عن نظرة المتكلم للحدث من حيث كليته أو جزئيته كبدايته أو نهايته.
ونبين اعتمادا على عدد من التصورات أن الجهة تنقسم إلى قسمين:

أ) قسم يدل على نمط الحدث aktionsart
ب) قسم يدل على الجهة بمعناها الضيق، وتتعلق بوجهة نظرة المتكلم تجاه الحدث الموصوف.                                                                بناء على ذلك، تعد كمقولة ذاتية subjective.
ويستلزم نمط الحدث التكوين الحقيقي للوضع الموصوف، ونفترض تبعا لعدد من التصورات أن الجهة تستدعي وجهة نظر المتكلم بين وصف تام ووصف غير تام ومحدود، أو غير محدود، أي لحظي. في حين، يعد نمط الحدث موضوعيا objective، ويرتبط بالمضمون الدلالي للوضع الموصوف. وتحدد طبيعته فيما إذا كان الحدث ساكنا أم حركيا، أو  وضعا لحظيا أو امتداديا أو محدودا أو لامحدودا أو استمراريا أو تكراريا.
نلاحظ إذن، أن هناك تفاعلا بين نمط الحدث والجهة. ورغم ذلك، فإنهما يشكلان مفهومين مختلفين. فجهة الحدث تبنى في المعجم. في حين، تتم الجهة على شكل صرفات تبنى في التركيب. انطلاقا من هذا التمييز بين الجهة ونمط الوضع نقوم بدراسة جهة الأوضاع.[1] ونتحدث عن جهة الصيغ التي ترتبط بالزمن. وهذا يساعدنا على دراسة بعض  الخصائص الجهية لاسم الفاعل.

1. 2. طبقات الأوضاع

يمكن أن  نقسم  الأوضاع  حسب فندلير )1967( إلى أربعة أقسام:
 أ- الحالات (states)
ب- الإنجازات (achievement)
ج- الإتمامات (accomplissement)
د- الأنشطة (activities)
 تمثل( أ ) الحالات، فكل حدث هو عبارة عن مجموعة من الحالات تتم في مرحلة زمنية معينة. ولا يقع في الحالات أي تغيير أو فصل حالة عن أخرى، بل تدل على وضع قار ولازم. وليس للحالة بنية زمنية داخلية، لأنه لا يمكن أن نميز فيها بين نقطة البداية والوسط والنهاية.[2] فالحالات هي أوضاع مجردة من التطور الداخلي. ومن ثمة، يمكننا أن نتحدث عن امتدادها وليس عن تدرجها. وفي مقابل الحالات هناك ثلاث طبقات يقع فيها تغيير كما في( أ-د). ففي (ب) هناك نوع من التغيير حيث نجد أن فيها نقل وتغير الحالة في بداية الحدث وتغييرها في آخره. ونلاحظ في (ج) تلاحم الأوضاع في نقطة زمنية واحدة. في حين تدل (د) على انتقال من حالة إلى أخرى.
ونفترض أن الحدث يمكن تمثيله عبر خط زمني غير متجانس.[3] فحدث الضرب، في بنية ضرب زيد عمرا ينبغي أن تكون له بداية ونهاية. والمنفذ ينتقل من حالة عدم الضرب إلى حالة الضرب. وبالتالي، تكون الأنشطة مخالفة للحالات. ويمكن أن نتصور أن الأنشطة تنطلق من نقطة فاصلة بين ما قبل وما بعد، ثم يصير الخط متصلا فيما بعد. فــيجري كحدثـ، في بنية الولد يجري، ليس له حدود في الجري، يمكن أن يستمر الجري إلى ما لا نهاية.و يتطلب الجري بداية ليس فيها جري، ثم هناك نقطة فيها جري. خلافا لذلك، نجد أن الفعل مرض تدل على السكون. فعلى مستوى دلالة الفعل ليست هناك نقطة بداية أو نهاية لمرض. وداخل هذه اللاحالات هناك أنواع: النوع الأول يتعلق بإغلاق الحدث. وهناك حدث فيه إغلاق، وحدث ليس فيه إغلاق مثل الأنشطة، فليس فيها حد للنشاط مضمن في معنى حد. من هنا نجد أن إحدى خصائص هذه السيرورات أو الأنشطة هو ما يسمى بمفارقة اللاتمام، ففي "يأكل زيد"، هناك وقت يمكن أن نقول فيه إنه قد أكل. فالمفارقة تتجلى فيما يسمى بـغير التام . فشرع في الأكل يتضمن أنه قد تم الأكل، ولكنه لم ينته. وأحد الروائز التي تفرق بكيفية مضبوطة الاتمامات والانجازات هو رائز اللاتمام، يعني أكل وما زال يأكل.
 فمرض لا تفيد أن أي جزء من المرض يسمى مرض، وجميع أجزاء مرض تؤدي إلى مرض.[4] فالأنشطة تدل على أوضاع حركية وامتدادية غير محدودة. وتمثل الاتمامات طبقة من الأوضاع تستغرق مدة زمنية قصيرة تتقارب فيها نقطة البداية والنهاية مثل الفعل صفع في بنية صفع زيد عمرا. وتتكون هذه الطبقة من الأفعال التي تصف أوضاعا تحدث قبل تحققها، فهي غير قابلة للتفكيك. فالاتمامات تصف أوضاعا لحظية، ولا يمكن تجزيئها إلى أحداث فرعية.
وتصف الانجازات أوضاعا يتم وقوعها في مدة زمنية تشكل امتدادا يفصل بين نقطة البداية والنهاية. وفي خلال هذه المدة تنجز حركات مختلفة ومتنوعة عبر الزمن، فلا يمكن لنفس الحركة أن تعاد في نقطة زمنية معينة. فمثلا بناء الدار، أو رسم الصورة، أو أكل التفاحة يستلزم مراحل متعددة لكي يتم إنجازها في صورتها النهائية. ويمكن أن نمثل لطبقة الأوضاع المختلفة على الشكل التالي:




 1( الأوضاع[5]

 -تغيير           +تغيير
  حالات      
            -امتداد        +امتداد
      
                      انجازات                 أنشطة

يبين الرسم في (1) الأوضاع التي تصف أوضاعا ساكنة وتدل على الحالات. وتصف، كذلك، أوضاعا حركية تشمل الاتمامات والانجازات والأنشطة. فالوضع يكون ساكنا إذا دل على حالة ثابتة، ويكون الوضع حركيا إذا دل على انتقال أو تغير أو تكرار. وما يسمى حالة هو مجموعة من الحالات لا يقع فيها فصل أو تغيير. في مقابل الحالات هناك الطبقة الحركية.

 2 .تحديد الفرق بين الزمن والجهة

          إذا نظرنا في الأدبيات اللسانية، نجد أغلبها لم تميز بين مقولتي الجهة والزمن. إذ وقع جدال في الأدبيات اللسانية حول إذا ما كان الفعل يدل على الزمن أم على الجهة. ونحاول في الفقرة الموالية تحديد الفرق بين الزمن والجهة.






2  1 . الزمن

تنصهر كل من مقولات البناء والجهة والزمن في صرفية واحدة تتفكك على المستوى الدلالي، وكذا النحوي. وقد وضع الفاسي الفهري (1990) سلمية لهذه المقولات نوردها كالتالي:
2)- بناء-حهة-زمن-تطابق- وجه
يعد الزمن مقولة إشارية غير ممعجمة بخلاف الجهة. ويدل الزمن النحوي في العربية على سمتي [+ماض]، [-ماض ]. فزمن الماضي يدل على الماضي، وصيغة اللاماضي تدل على المضارع. والموجهات مثل السين وسوف المضافة للمضارع تدل على الاستقبال.[6]وتتميز مقولة الزمن بخاصية أساسية تتجلى في ربط لحظة عمل action أو حدثevent  أو حالة. يعني ما تعبر عنه الجملة بلحظة التلفظ أي الآن. لذلك يوصف بأنه مقولة إشارية، فهو نوع من توقيت الحدث بالنسبة للحظة التلفظ التي يتم فيها الكلام الموصوف. وتعد الأزمنة الأكثر بروزا عند كمــــــري
) 1976(  Comrie هي الماضي والحاضر والمستقبل.

2.2. الجهة

          تعد جهة البناء خاصية أساسية من خصائص الفعل المتصرف سواء بني الفعل للفاعل، أو لغيره كما في اسم الفاعل واسم المفعول. في هذا الإطار، افترض الفاسي الفهري )1990( أن البناء له خصائص اللاصقة أو الصيغة["ــ-] تقوم بتحويل مقولي، تنقل الفعل إلى وصف بالإضافة إلى دلالتها على بناء معين. وتساعدنا جهة البناء على تمييز بين الجهة والزمن. فهي تشكل إسقاطا مستقلا عن الزمن، تتفاعل على جهة البناء مع الزمن فيما بينهما، مما يؤدي إلى إنتاج صور مختلفة ترتبط بمعان جهية معينة. ويقترح لينز(1988) أن كل من الماضي واللاماضي عبارة عن صيغ الأحداث، ويعد رائزا قويا على وجود مقولة الجهة في اللغات. وتأتي صورة التمام مع سمة [+ماضي]، وصورة اللاتمام بسمة [-ماض] الدال على الحاضر والمستقبل. وإذا كانت الجهة ترتبط بمقولتي التمام واللاتمام، فماهي خصائص هاتين المقولتين؟
يعد التمام مقولة جهية تنظر إلى الوضع باعتباره كلا موحدا. فهي تدل على تركيب داخلي يتكون من ثلاث مراحل تمثلها بداية ووسط ونهاية تجتمع في كل واحد.[7] فالتمام يدل على رؤية الوضع كذات واحدة دون تمييز بين مختلف مراحلها المعزولة. في حين يدل اللاتمام على الأوضاع الامتدادية. ويدل هذا الأخير على البنية الداخلية للوضع، إذ ينظر إليه من حيث مكوناته الداخلية. وتنقسم اللغات بصفة عامة إلى لغات تعبر عن هذه المقولة بمقولات مختلفة. ولغات لا تعبر إلا عن جزء من المعاني التي تضطلع بها مقولة اللاتمام. وتنقسم هذه الأخيرة إلى مقولتين هما العادة والاستمرار. ونمثل تبعا لكمري(1976) لهذه التقسيمات على الشكل التالي:

2(
     تمام                            لاتمام  
                           
                         عادة            الاستمرار
                                           
                                    غير متدرج               متدرج  

 تدل العادة كمفهوم على وضع يلازم وقوع الحدث للفترة الزمنية المحال إليها، وهناك فرق بين مفهوم العادة والتكرار.[8]
 (3 ) آمال آمنة بقدراتها الفكرية دائما
إن العادة في هذه الجملة هي اعتقاد ملازم لآمال لاعلاقة له بتكرار الحدث. وتعد كمقولة جيهية تدل على ملازمة حدث أو حالة لموضوع موصوف في فرص متعددة. ويمكن أن نعبر عن العادة، في اللغة العربية، بالفعل المضارع، واسم الفاعل مع استعمال بعض ظروف التسوير المعممة، لنتأمل المعطيات التالية:
4(أ)يلعب زيد الكرة
ب) زيد لاعب الكرة دائما
ج)كان زيد يلعب الكرة
د)كان زيد لاعبا للكرة
 ه) سيصير زيد يلعب بالكرة
 و) سيصير زيد لاعبا بالكرة في الشهر المقبل
يدل الفعل المضارع، في اللغة العربية، على العادة إذا دل على امتداد زمني داخلي تعدد فيه فرص وقوع الحدث الموصوف، ويدل على الاستمرار إذا لم يرد دالا على العادة. ويشكل الاستمرار الشق الثاني من مقولة اللاتمام، وهو دلالة الحدث على امتداد زمني داخلي يستمر فيه الحدث في الفرصة الواحدة. ويكون إما نشاطا متكررا، أو إنجازا يتم فيه انتقال. فالتدرج عبارة عن ظرف مجرد ينعت معنى التدرج في جملة ما. ويدل اسم الفاعل على العادة بإدخال بعض الظروف الزمنية، نحو (4ب،ج).

3.  اسم الفاعل والجهة

 تنقسم الصفات إلى صفات محضة adjectives، وصفات مطردة مثل اسم الفاعل واسم المفعول. وتسمى في الأدبيات الغربيةparticiples.ونبين أن التمييز الأساسي، في اللغة العربية، بين الصفات والمشاركات لا يمكن رصده إلا باللجوء إلى التميز بينهما بناء على خصائص جهية. فالصفة تدل على حالة ثابتة وقارة، وتدل كذلك، على حدث ملازم يصدق في أي وقت. فحينما نقول زيد قصير القامة، فهو قصير في زمن س، وقصير في زمن ص، وقصير في زمن د. فقصر زيد يصدق في أي زمن من الأزمنة. فالصفة تدل على معنى في الماضي يستمر في الحاضر ويدوم. بينما يدل اسم الفاعل على حدث عارض وحادث. ونميز بين صيغة فاعل الدالة على اسم الفاعل وفاعل الدالة على الصفة المشبهة، بناء على مقولتي الحركية والسكون. فالصفات تكون ساكنة واسم الفاعل يكون حركيا. فهناك أفعال ساكنة لا يمكن أن نصيغ منها اسم الفاعل، فلا يمكن أن نصيغ كارم من كرم، ولامارض من مرض، ولامائت من مات، ولاحازن من حزن، ولاعاطش من عطش، وكذا ساكر من سكر. لكن نجد أمثلة مخالفة لهذا الاقتراح، وذلك لوجود أفعال تامة السكون يصاغ منها اسم الفاعل نحو: صالح وعالم وفاسد،[9] وكائن وضائق وللتمييز بين فاعل الدالة على وضع حركي، وفاعل الدالة على وضع ساكن نقدم بعض الروائز التي نستدل من خلالها على حركية اسم الفاعل. ويمكن على أساسها التمييز بين الوضع الحركي، والوضع الساكن. وذلك بناء على  كل من تصور داوتي Dawty(1979)، التوكاني (1989)، الفاسي الفهري (1990).ونمثل لذلك بمايلي:
 لايمكن للأفعال والمشتقات الساكنة أن تتصرف في الأمر، وهذا رائز قوي على سكونية مثل هذه الأفعال، لنتأمل المعطيات التالية:
  (5 ( أ(*اصلح
      ب(* افسد
   (6 ) أ) العب
     ب( كل
يظهر من خلال (5أ،ب( أن الفعلين لا يتصرفان في الأمر، وهذا ما يفسر لحن(5) وسلامة بنى مثل(6)لأنها تدل على حدث حركي. في حين، يدل فعل علم على وضع ساكن ويتصرف في الأمر لكن ليس في جميع الأحوال، نقول:
 (7 (اعلم
وفي هذه الحالة يمكن أن نعتبر أن الفعل الساكن علم هنا يفيد الإخبار، ولا يفيد علم، إذ لا نقول:
 (8) أ(*اعلم الحقيقة
   ب(*اعلم الجواب
ويمكن أن نعتمد على بعض الأفعال الخفيفة للدلالة على إمكانية وقوع حدث في المستقبل، نحو:
 (9 ( يجب أن تعلم الحقيقة
 (10 ( يجب أن تصلح نفسك
 ولا يمكن للأفعال والمشتقات الساكنة أن تظهر مثل الظروف مثل عمدا، نحو:
(11 (أ (*زيد عالم الحقيقة عمدا
  ب( زيد آكل التفاحة عمدا
 لا تتحقق مع أفعال الإرغام والمراقبة، مثل:
( 12 )أ)* أقنعته بأن يكون فاسدا
ب ) أقنعته بأن يكون لاعبا متمرسا
لا ترد مع ظروف الأوجية  telicity، نحو:
(13)أ) زيد قارئ الرسالة في ساعتين
  ب)* زيد عالم في ساعتين
 ولا ترد مع مقياس التغير المنفذي بواسطة الظروف، مثل:
 (14 (*حزن زيد بانتباه
 (15) لعب زيد بانتباه
 (16 ) بلغ زيد القمة بعناية
نلاحظ من خلال البنى الواردة في (14-16) أن كلتا العبارتين بانتباه وبعناية تلاءمان الأفعال الحركية دون الأفعال الساكنة. ومن ثمة تظهر سلامة(15) و(16)، ولحن(14). بناء على هذه الروائز المستمدة من تصور الفاسي الفهري (1990)والتوكاني(1990). نستخلص أن اسم الفاعل يدل على وضع حركي، بخلاف الصفة التي تدل على حدث لازم وقار عبر الزمن إلا أن هناك صفات ثابتة قارة، وصفات تدل على حالة تخضع للتحول.

3. 1. اسم الفاعل وعلاقته ببعض المقولات الجهية
3 .1. 1. المحدودية واللامحدودية

يمثل مفهوم المحدودية سمة بارزة تطبع الأوضاع الموصوفة، وتكون محدودة ولا محدودة. فالوضع يكون محدودا إذا تضمن نقطة زمنية تبين أن الحدث انتهى أو صار إلى نهايته. ويكون الوضع محدودا إذا انعدمت فيه هذه النقطة. ويتميز اسم الفاعل بسـمة [+محدود]، وسـمة[-محدود].خلافا لذلك تكون لاسم المفعول سمة[+محدود]. وتلعب التعدية دورا مهما في توفر اسم الفاعل على سمتي[ ± محدود]. فإذا ورد اسم الفاعل متعديا دل على المحدودية، وإذا كان لازما دل على حدث للامحدود، لكن ليس في جميع الأحوال. لنتأمل المعطيات الواردة في (17-19(:
(17) أكل زيد الدجاجة
(18) الدجاجة مأكولة
(19) زيد آكل الدجاجة
تصف البنى الواردة في )17-19) أوضاعا محدودة تنتهي بانتهاء حدث الأكل. فالأوضاع في هذه الأمثلة لها نقطة بداية، ونهاية تنتهي بمجرد انتهاء الحدث. في حين، ترد نفس هذه الأوضاع دالة على حدث غير محدود يتميز بسمة[-محدود] في بعض السياقيات التالية:
(20)أ) رسم الرسام
   ب) زيد راسم
 تصف البيتين(20أ،ب) أوضاعا لا محدودة لها سمة [-محدود]. فزيد أو الرسام يرسم بصفة مستمرة، فهما في أي نقطة زمنية معينة يرسمان. فـغياب الفضلة في (20) يعطينا حدثا لا محدود. بناء على ذلك، نرى أن التعدية واللزوم تلعبان دورا أساسيا في توفر اسم الفاعل على سمتي [ ± محدود]. وهذا يفسر التأويل اللامحدود للأحداث التي ترد بدون فضلة. ويلعب الجمع العاري[10] دورا هاما في التمييز بين هاتين السمتين:
 (21) زيد قارئ رسائل
 (22) زيد قارئ الرسالة
 تفيد البنية من نمط(21) قراءة لامحدودة للحدث، في حين تفيد البنية من نمط(22)  قراءة محدودة. فخاصية لا محدود أو امتدادي، حسب فركيول1974، Verkuyl ،في الجمــلتين (21،22)، يمكن أن تسند إلى الإحالة اللامحدودة للمركب الاسمي. وتكون الجهة في الحدث انتهائية إذا كان الفعل الرئيسي يدل على تغيير تدريجي. ويكون لكل المركبات الاسمية الموضوعات خاصية إحالية محدودة.[11] وتفترض تيني Tenny1994أن الموضوع المباشر هو الموضوع الذي يحدد الذي يعبر عنه الفعل.[12]نلاحظ في (22) أن الحدث له نقطة نهاية. خلافا لذلك لا توجد نقطة نهاية في(21) لأن الحدث لا يمكن أن يصل إلى نقطة النهاية، وبالتالي يؤول تأويلا لامحدودا. ويلعب كذلك التعريف والتنكير دورا في محدودية الحدث ولا محدوديته، للننظر في مايلي:
(23)أ) زيد ماضغ العلك
  ب) زيد ماضغ علكا
تؤول البنية (23أ) تأويلا محدودا. وتتلقى البنية (23ب) تأويلا لا محدودا. وتفتقر بنية الحدث الداخلية إلى نقطة نهاية. ويكون الحدث الذي تفيده مثل هذه الأفعال أو المشتقات له سمة[-محدود] جهيا بشكل ملازم. وتلعب،كذلك، الأفعال والمشتقات الحركية التي تتضمن معجميا الاتجاه دورا في تحديد سمتي محدود لامحدود.  للنتأمل فعل مثل صعد في المثال التالي:
 (24) زيد صاعد إلى القمة
 نجد أن سمة [-محدود] بالنسبة للمسار تفرض التأويل اللامحدود للحدث. فأفعال مثل صعد تفتقر إلى حد ملازم يستمر في التدرج بشكل متجانس حتى يبلغ إلى هدف الحركة بواسطة المركب الحرفي المحدد للمسار.
إن خصائص الأفعال والمشتقات مثل اسم الفاعل واسم المفعول تتفاعل مع فضلاتها داخل بناء التأويل الجهي.
لنتأمل الجملتين التاليتين:
25)أ)*زيد قارئ الرسالة مدة شهرين
  ب) زيد قارئ الرسالة في شهرين
تصف البنيتان في(25) حدثا محدودا زمنيا، لذلك لا يمكن استساغت بنية مثل (25أ) لأن الظرف مدة شهرين غير محدود ولا يلائم الوضع المحدود. وفي مقابل ذلك تستساغ بنية مثل (25ب) لأن الوضع المحدود لا يلائمه إلا الظرف الزمني المحدود في شهرين. لنتأمل معطيات أخرى توضيحية:
 (26) أ)زيد كاتب الرسائل/ رسائل لعدة سنوات
     ب)*زيد كاتب رسائل / في سنتين
نلاحظ في البنيتين (26أ،ب) أن اسم الفاعل كاتب لم يتغير في كلتا البنيتين وما تغير هو التأويل. والفرق بين التأويل الجهي محدود لا محدود يرجع إلى الفضلة. فالقراءة التأويلية في(26أ) تكون غير محدودة، لأننا لا نعرف مقدار المفعول بالضرورة.
لقد افترض فركيول(1972) إلى أن الحدث الممتد في الزمن تتغير جهته بحسب المركب الاسمي المفعول الذي يتحقق معه في الجملة. فالجهة تؤلف بين خصائص الأفعال وخصائص الأسماء. فالاكتفاء بوصف معجمي معين للأفعال لا تتيح التأويلات الجهية الملائمة فقط.[13] 

3. 1. 2 الأنشطة

يصف اسم الفاعل أوضاعا تدل على الأنشطة، ويتميز بسمات العادة والتكرار. ويمكن لأي اسم مشتق أن ينتمي إلى طبقة الأنشطة إلا إذا حمل سمة من هذه السمات. فحينما أقول أجري هناك عدد من المراحل، فزيد يقوم بنشاط. ويدل على حدث مستمر ينتهي بانتهاء اللعب في أي نقطة زمنية. ويدل اسم المفعول على حدث تام ينتهي في زمن معين. لننظر المعطيات الواردة (27ـ31):
  (27) زيد مجنون
 (28) الصورة مرسومة
 (29) هند مصفوعة
 (30) زيد صافع هندا
 (31)* الدمية ملعوبة
إذا تأملنا الأمثلة الواردة أعلاه، نجد أن اسم المفعول في بنية من نمط (27) يدل على حالة مستمرة وملازمة وثابتة. فالجنون صفة ملازمة لزيد وقارة عبر الزمن. ويدل في (28) على إتمام، وفي (29)  يدل على إنجاز. ولا يدل اسم المفعول على نشاط، وهذا ما يفسر لحن(31)، إلا أنه يدل على الحالات. خلافا لذلك، يصف اسم الفاعل أوضاعا فيها إتمامات وأنشطة وإنجازات ولا يصف الحالات.

3. 1. 3 الانتهاء واللانتهاء

 يدل كل من اسم المفعول، والبناء لغير الفاعل على حدث منته لأنهما يصفان حدث ثم في زمن الماضي. لنتأمل المعطى التالي:
(32)أ) الصدق مفقود
     ب) قُتل الرجل
نلاحظ أن حدث الفقدان قد تم في زمن الماضي وليس في زمن الحاضر، وكذلك حدث القتل كما في (31). فالبناء للفاعل أو غير الفاعل يدلان على حدث انتهى في زمن معين. بخلاف اسم الفاعل الذي يدل على حدث غير منته. لنتأمل المعطى التالي:
(33) زيد قائمٌ
  يدل اسم الفاعل في (33) على حدث غير منته، وممتد عبر نقطة زمنية معينة. ويدل على حدث مستمر ويكون الاستمرار فيه متدرجا. بخلاف الصفة التي يكون فيها الاستمرار غير متدرج، نحو:
 (34) زيدٌ آكل الليمونة
 يظهر في البنية (34) أن وضع الأكل ممتد، ويدل على حالة متدرجة، وعلى حدث غير تام لدلالته على زمن الحال والاستقبال. والتمام مقولة جيهية تنظر إلى الوضع باعتباره كلا موحدا. فهو مقولة تدل على تركيب داخلي يتكون من ثلاثة مراحل تمثلها بداية ووسط ونهاية. وينظر رائز التمام إلى الوضع من الخارج دون أن نميز فيه أي بنية داخلية. ويدل رائز اللاتمام على أن الحدث يدل على أوضاع امتدادية، وينظر إلى الوضع من حيث مكوناته الداخلية. فحينما نقول آكل فهو يدل على حدث  مستمر. فأكل التفاحة يقتضي أكل كل جزء من التفاحة حتى ينتهي من حدث الأكل. ويمكن أن نميز بين اللاتمام والامتداد. فالأول يدل على رؤية الوضع من خلال بنيته الداخلية. ويدل الامتداد على أن الوضع يمتد خلال مدة من الزمن.[14]

خلاصة:

 خلصنا، في هذا المقال، إلى أن اسم الفاعل يدل على وضع حركي، بخلاف الصفة التي ترد على فاعل وتدل على وضع ساكن، وميزنا بينهما بعدة روائز. ويدل اسم الفاعل على أوضاع فيها نشاط، وإنجازات وإتمامات ولا يدل على الحالات. بخلاف اسم المفعول الذي يدل على حدث منته وعلى حالة ولا يدل على نشاط.  وتجب الإشارة إلى أن هناك بعض الطبقات تتحول من طبقة إلى أخرى. فحدث يدل على الانجاز أو الاتمام يتحول إلى حدث يدل على النشاط. من هنا، نستشف وجود التداخل بين الأفعال الدالة على الحركية، وهذا التداخل تضبطه عدة قيود.









المراجع بالعربية

بريسول، أحمد:1993 ، أفعال الشروع ، ددع، كلية الآداب أكدال، الرباط
بريسول، أحمد:2003، جهة المحدودية في حدث الحركة، مجلة أبحاث لسانية المجلد8 العدد 2 ، منشورات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب.
التوكاني، نعيمة:1989، خصائص المشتقات الجهية، اسم المفعول نموذجا، ددع، كلية الآداب، بنمسيك، الدار البيضاء.
جحفة، عبد المجيد:1999 المركب الاسمي والجهة، ضمن المركبات الاسمية والحدية في اللسانيات المقارنة، إعداد عبد القادر الفاسي الفهري وعبد الرزاق التورابي ومحمد غاليم ومحمد الرحالي، منشورات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب وجمعية اللسانيات بالمغرب.
الفاسي الفهري، عبد القادر:1990، البناء الموازي: نظرية في بناء الكلمة وبناء الجملة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء.
الفاسي الفهري، عبد القادر:2005،  دروس ومناظرات











المراجع الأجنبية


Comrie ,B: 1976, Aspect, Cambridge University Press,cambridge
Dowty,D.: 1979, word meaning and montague grammar, Dortecht, Reidel
Tenny;C.: 1994, Aspectual Roles and Syntax semantics interface, Kluwer academic Bublishers, Dordrecht
Vendler,Z: 1967, verbs and times, linguistics in philosophy, lthaca, cormell university press, new york
Verkuyl H.: 1972, on the compositional Nature of aspects, kluwer, Dordrecht.





[1] التوكاني( 1990)
[2] بريسول (1993)
[3] الفاسي الفهري  (2005)
[4] نفس المرجع
[5]  بريسول ،1993. ص،150
[6] الفاسي الفهري 1990
[7]   كمري 1976comrie
[8] التوكاني 1990
 الفاسي الفهري (1990)[9]
[10] يقصد بالأسماء العارية في الأدبيات اللسانية بالأسماء التي لا يتحقق فيها  الحد( أداة التعريف ـ أداة التنكير)
[11] بريسول3 200
[12] نفس المرجع
[13]  جحفة(1998).
[14] بريسول(1993)

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire