lundi 18 mars 2019



قضايا الفصل والوصل بين الجرجاني والسكّاكي:


جهاد نصيرات* 


المُلخَّص
تتناول هذه الدراسة قضايا الفصل والوصل بين الجرجاني والسكّاكي دراسة بلاغية ، نقف فيها على التعريف بهذين العَلَمين الجليلَين وبآرائهما المفصّلة في هذا الموضوع، مبرزة بعد ذلك الموازنة بينهما، من حيث المنهج والأسلوب والقضايا العلمية التي اتفقا أو اختلفا فيها مضمنةً في هذا كله الشواهد القرآنية والشعرية التي تخدم هذا الموضوع من كل جوانبه.
الكلمات الدالّة : الفصل، الوصل، الجرجاني، السكّاكي.

Abstract



This is a rhetorical study of the issues of separation and connection between Jarjaani and Alskaki in relation to the Holy Quran. These two esteemed scholars are with regards to different aspects of their career; first, detailing their points of view about this topic and, second, comapring their arguments in terms of approach and the issues upon which they agreed or disagreed. This comparison is done according to pieces of evidence from the Holy Quran and poetry.

Keywords: Separation, junction, Jarjaani, Alskaki





























































































* **
أستاذ مشارك، كلية الشريعة، الجامعة الأردنية.
باحثة، كلية الشريعة، الجامعة الأردنية.





المقدمة
الحمد لله رب العالمين، حمداً يليق بجلاله ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، والصلاة والسلام التامان الأكملان على نبي الرحمة والهدى حبيبنا محمد –صلى الله عليه وسلم- وبعد؛
         فقد تعددت وجوه إعجاز القرآن الكريم وتنوعت، وما فتيء الزمان يكشف لنا في كل يوم عن مظاهر جديدة تضاف إلى وجوه إعجازه، لكن الوجه الأبرز الذي انتظم كلَّ آية من آياته ، بل كل فقرة من فقراته، بل كلَّ حرفٍ من حروفه هو الإعجاز البياني الذي يكشف لنا عن بديع نظمه، ومتانة تركيباته، ودقة ألفاظه ومفرداته، ولقد بذل علماء الشأن جهوداً مضنيةً في تجلية ذلك، سواء أكان ذلك من خلال مصنفاتهم في إبراز إعجازه أو في مصنفاتٍ أخرى تتناول قضايا لغوية أو بلاغية لإبراز أثر القرآن الكريم في هذه اللغة، ودور هذه اللغة في الكشف عن مكنوناته والغوص بحثاً عن لآلئه في صدفاته، ومن هذه الدراسات الكثيرة ما خطه يراع عبد القاهر الجرجاني (471هـ) لا سيما في (دلائل الإعجاز)، و(أسرار البلاغة)، وكذلك ما فعله بعد ذلك أبو يعقوب السكّاكي (626هـ) في (مفتاح العلوم).
         من هنا ، تظهر أهمية هذه الدراسة في محاولتها إبراز جهود هذين العَلَمين في موضوع هام من موضوعات علم المعاني يتعلق بالجمل وهو موضوع (الفصل والوصل)، حتى قيل لبعضهم ما البلاغة؟ فقال: معرفة الفصل من الوصل.([1])
         وتأتي أهميتها كذلك من خدمتها لرافدٍ من روافد الإعجاز القرآني يتعلق ببلاغته، في ضوء ما قرره العَلَمان الفاضلان في هذا الموضوع إجلاءً لبلاغة النص القرآني في فصله ووصله، لذا هدفت هذه الدراسة إلى تحقيق أهداف منها:
1.    إبراز موقف الجرجاني والسكّاكي من قضايا الفصل والوصل.
2.    إبراز الفروق بين موقفي الشيخين.
3.    الموازنة بينهما في قضايا الفصل والوصل: منهجاً، وأسلوباً ،ومضموناً.
ولذا تحاول هذه الدراسة الإجابة عن الأسئلة الآتية:
1.    ما هي آراء عبد القاهر الجرجاني في موضوع الفصل والوصل؟
2.    ما هي آراء أبو يعقوب السكّاكي في موضوع الفصل والوصل؟
3.    ما هي أبرز الفروقات بينهما، من حيث المنهج والأسلوب الذي اتبعاه؟
4.    ما هي أبرز الفروقات بينهما، من حيث المادة العلمية التي عرضاها؟
وأما الدراسات السابقة لهذا الموضوع، فلا يعلم الباحثان دراسةً علميةً مؤصلةً عرضت لهذا الموضوع على وجه الخصوص خلا بعض الإشارات هنا أو هناك، لكن هناك الكثير من الدراسات التي أفاد منها الباحثان والتي تتعلق ببلاغة الجرجاني أو السكّاكي أو بلاغة الفصل والوصل، ومن أهم هذه الدراسات:
1.    عبد القاهر الجرجاني وجهوده في البلاغة العربية، د. أحمد أحمد بدوي.
2.    البلاغة عند السكّاكي، د. أحمد مطلوب.
3.    ظاهرة الفصل  والوصل بين النحو والبلاغة، عبد الجليل مصطفاوي، رسالة جامعية، جامعة حلب، 1987، إشراف: د.محمد حمويه ود. تامر سلوم.
4.    الفصل والوصل في القرآن الكريم، د.شكر محمود عبد الله.
5.    الوصل والفصل في التركيب العربي وأثره في الدلالة، عادل سليمان بقاعين.
6.    دلالات التراكيب، محمد محمد أبو موسى.
وقد أفدنا من هذه الدراسات في تناولها للموضوع على وجه العموم, أو لتناولها لجهود كل عالم على حده وإن لم تجرِ الموازنة بينهما.
وتعتمد هذه الدراسة المنهج الاستقرائي في جمع مفردات المادة من مظانها، والتحليلي لاستنباط مواقف العَلَمين البارزين في الموضوع مدار الدراسة، وكذلك منهج المقارنة والموازنة بين آراء العَلَمين الفاضلين، لذا فقد جاءت هذه الدراسة في مقدمة، وتمهيد، ومبحثين، وخاتمة ،على النحو الآتي:
المقدمة:
التمهيد: التعريف بالجرجاني والسكّاكي ومصطلحات البحث.
         المطلب الأول: التعريف بالجرجاني والسكّاكي.
         المطلب الثاني: التعريف بالفصل والوصل.
المبحث الأول: قضايا الفصل والوصل عند الشيخين.
          المطلب الأول: قضايا الفصل والوصل عند الجرجاني.
          المطلب الثاني: قضايا الفصل والوصل عند السكّاكي.
المبحث الثاني: الموازنة بين قضايا الفصل والوصل عند الشيخين.
         المطلب الأول: الموازنة من حيث المنهج والأسلوب.
        المطلب الثاني: الموازنة من حيث المادة العلمية.
الخاتمة: وفيها يعرض الباحثان أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة.
         ولا ندعي في هذا العصمة من الزلل، ولكننا ندّعي الرغبة في التصويب والتقويم لكل خطأ وقعنا فيه، والحمد لله من قبل ومن بعد.
التمهيد: التعريف بـ (الجرجاني والسكّاكي) وبمصطلحات الدراسة.
المطلب الأول: التعريف بالجرجاني والسكّاكي.
أولاً: الجرجاني.
       هوعبد القاهر بن عبد الرحمن أبو بكر الجرجاني النحوي المشهور،([2])وهو فارسي الأصل، جُرجاني الدار، عالم بالنحو والبلاغة، أخذ النحو بجرجان عن الشيخ أبي الحسين محمد بن الحسن الفارسي، قرأ ونظر في تصانيف النحاة والأدباء، وتصدَّر بجرجان، وحُثّت إليه الرحال، وصنف التصانيف الجليلة([3]) كان شافعي المذهب، أشعري الأصول مع دين وسكون،([4])ومن مصنفاته (المغني في شرح الإيضاح)، و(المقتصد في شرح الإيضاح)، و(العوامل المائة)، و(الجمل)، و(دلائل الإعجاز) و(أسرار البلاغة) و(الرسالة الشافية) و(العمدة في التصريف) وغيرها.([5]) قال عنه الباخرزي (1993م " اتفقت على إمامته الألسنة، وتجملت بمكانه وزمانه الأمكنة، وأثنى عليه طيب العناصر، وثُنيت به عقود الخناصر، فهو فردٌ في علمه الغزير، لا بل هو العَلَمُ الفرد في الأئمة المشاهير".([6])قال عنه اليافعي (1997م): " كلامه في علم المعاني والبيان يدّلان على جلالته وتحقيقه وديانته وتوفيقه" .([7])
وقال عنه ابن تغري الأتابكي (1935م ):" شيخ العربية في زمانه، وكان إماماً بارعاً مفتنَّاً ، انتهت إليه رياسة النحاة في زمانه".([8])وكانت وفاته سنة أربعمائة وواحد وسبعين من هجرة الحبيب –صلى الله عليه وسلم- في الأرجح، و إن نقل بعضهم أنها كانت سنة أربعمائة وأربع وسبعين وتوفي بجرجان([9]) رحمه الله.
ثانياً: السكّاكي:
       هو سراج الدين أبو يعقوب يعقوب بن محمد بن علي السكّاكي الخوارزمي الحنفي.([10])ولد بخوارزم سنة 554هـ يقول عنه د. أحمد مطلوب (مطلوب، 1964م): "وحياة السكاكي غامضة، فلا يهتدي الباحث إلى معرفة الظروف التي ألمت به، وكوّنت عقليته، وخلقت منه رجلاً أثّر في علوم اللغة العربية تأثيراً كبيراً، وكل ما نعرفه عنه نُتف يَسيره مبعثرة في المصادر المختلفة، لا يمكن أن ترسم لحياته صورة واضحة"([11]). ويذكر أنه كان حنفي المذهب ، معتزلي العقيدة، ويُرجح أن نسبته (السكّاكي) كانت إلى صنعة إلى السكّه، فقد كان يشتغل بالصناعات الحديدية، يقول السيوطي: "السكّاكي بالفتح والتشديد يسميه أبو حيان في الارتشاف ابن السكّاك، فهو إلى جده، وكأنّه إلى صنعة السكّة التي يُضرب بها الدرهم". ([12]) نقل صاحب (روضات الجنات) عنه: "كان من جملة فضلاء الدهر والعلماء العالية المنزلة والقدر، ماهراً في العلوم الغريبة".([13])وقال عنه اللكنوي (اللكنوي،1947م): "كان السكّاكي عالماً محققاً في الفنون الغريبة والعلوم العجيبة، من ذلك علم البلاغة بأنواعها وعلم تسخير الجن ودعوة الكواكب وفن الطلمسات والسحر والكهنة وعلم خواص الأرض، وأجرام السماء وغير ذلك".([14])واشتغل به الحاسدون عندما علت مراتبه عند السلاطين، فحبس في بعض سجونهم حتى مات قيل سنة 623هـ، وقيل 627هـ، ولم يطبع من مؤلفاته سوى كتاب (مفتاح العلوم).
المطلب الثاني: تعريف الفصل والوصل
         وردت الإشارة إلى أطراف هذا الموضوع في جهود السابقين من أمثال: الفراء( 207هـ) ،والجاحظ (255 هـ)، والمبرّد ( 285هـ)، وأبي هلال العسكري (396  هـ)، لكنّ الذي تصدّى لهذا العلم ووضع حدوده الأولى وأفاض فيه هو عبد القاهر الجرجاني الذي كشف أسراره وأظهر مزاياه، فكان كلامه الأصل لكل من جاء بعده فكلهم قد نهل من معينه بعد أن وردوا دلائله. ويعدُّ هذا المبحث من أهم علوم  البلاغة على الإطلاق، يقول فيه عبد القاهر الجرجاني (الجرجاني،2001م): "واعلم أن العلم بما ينبغي أن يصنع في الجمل من عطف بعضها على بعض، أو ترك العطف بها والمجيء بها منثورة، تُستأنف واحدة منها بعد الأخرى-من أسرار البلاغة-، ومما لا يتأتى لتمام الصواب فيه إلا الأعراب الخُلّص، وإلاّ قوم طبعوا على البلاغة، وأتوا فناً من المعرفة في ذوق الكلام هم بها أفراد، وقد بلغ من القوة في الأمر في ذلك أنهم جعلوه حداً للبلاغة، فقد جاء عند بعضهم أنه سُئل عنها فقال: (معرفة الفصل من الوصل) ذاك لغموضه ودقة مسلكه، وأنه لا يكملُ لإحراز الفضيلة فيه أحدٌ إلاّ كمل لسائر معاني البلاغة".([15]) وأما السكّاكي فقد قال عن الفصل (السكّاكي،2000م): "وإنها لمَحَكُ البلاغة، ومنتقد البصيرة، ومضمار النظار، ومتفاضل الأنظار، ومعيار قدر الفهم، ومسبار غور الخاطر، ومنجم صوابه وخطائه، ومعجم جلائه وصدائه، وهي التي إذا طبقت فيها المفصل شهدوا لك من البلاغة بالقدح المعلى، وأن لك في إبداع وشيها اليد الطولى".([16])
         وبما أن هذا المبحث حاز هذه الفضائل جميعها فكان لزاماً أن نعرف هاتين المفردتين على انفرادهما بالمعنى اللغوي، وعلى جمعهما بالمعنى الاصطلاحي.
أولاً: الفصل
         أصل هذه المادة (فصل) عند الفراهيدي (الفراهيدي، 2005م): "بونٌ ما بين الشيئين، والفصل من الجسد موضع المفصل، وبين كل فصلين وصلٌ، والفصل: القضاء بين الحق والباطل، واسم ذلك القضاء فيصلٌ. ([17])
وجاء عند ابن منظور(ابن منظور، 2005م): "الفصل الحاجز بين الشيئين، فصل ما بينهما يفصل فصلاً فانفصل، وفصلُ الشيء فانفصل أي قطعته فانقطع... والفاصلة: الخرزة التي تفصل بين الخرزتين في النظام، وقد فصَّل النظمَ وعِقْدٌ مُفصّل: أي جعل بين كل لؤلؤتين خرزة، { هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)} [الصافات: 21]: أي هذا يوم يفصل فيه بين المحسن والمسيء.([18])
الفصل اصطلاحاً: يرى الجرجاني أنه: استئناف الكلام وقطعه عما قبله وترك العطف فيه.([19])ويرى السكّاكي أنه: ترك العاطف. ([20])
ثانياً: الوصل
أصل هذه المادة (وصل) عند الفراهيدي يدور على الاتصال يقول: " كلُّ شيءٍ اتصل بشيءٍ فيما بينمها وُصْلَةٌ ومَوْصِلُ البعير: ما بين عجزه وفخذه"([21]). ويقول ابن منظور: " الوَصْلُ: ضد الهجران، والوصل: خلاف الفصل، وصلَ الشيء بالشيء يصله وصلاً وصِلَةً.. واتصل الشيء بالشيء لم ينقطع.. والوُصْله: الاتصال"([22]).
الوصل اصطلاحاً: العطف بين الجمل.([23])
ثالثاً: الفصل والوصل اصطلاحاً
تعددت آراء العلماء في تعريف الفصل والوصل، ولكنها لم تختلف ، فمدارها على عطف الجمل بعضها على بعض أو ترك هذا العطف، ومن أوجز هذه التعريفات التي يرى الباحثان الاقتصار عليها، ما قاله د. أحمد مصطفى المراغي (المراغي،2002م): "هو العلم بمواضع العطف، أو الاستئناف، والتهدّي إلى كيفية إيقاع حروف العطف في مواقعها، أو تركها عند الحاجة إليها"،([24]) ولا شك أن مسائل هذا الباب تنضوي تحت كليات عامة يصدق عليها وصفها بأنها علم.
المبحث الأول: قضايا الفصل والوصل عند الشيخين
المطلب الأول: قضايا الفصل والوصل عند الجرجاني
-  بدأ عبد القاهر الجرجاني حديثه في قضايا الفصل والوصل في أنّ سبيله في هذا الباب أن يبدأ في فائدة العطف في المفرد ثمّ في الجملة، وقرر أن فائدة العطف في المفرد:أن يشترك الثاني في إعراب الأول، وبالتالي أن يشترك في حكم ذلك الإعراب. فعطف المرفوع على المرفوع يقتضي كونه فاعلاً مثله، وهكذا .([25])
-  بيّن أن حال الجمل المعطوف بعضها على بعض على ضربين:([26])
1.     أن يكون للمعطوف عليها موضع من الإعراب، وبالتالي فهي تُعامل معاملة المفرد، وكان عطف الثانية عليها جارياً مجرى عطف المفرد على المفرد. من نحو الاشتراك في الإعراب والحكم، فإذا قلت: مررتُ برجلٍ خَلْقُهُ حسن وخُلُقُهُ قبيح. كانت الجملة الثانية في موضع جر بأنها صفة للنكرة، والأمر في هذا سهل ونظائره تكثر. وهو بهذا يقرر أن عطف الجمل التي لها موضع من الإعراب على بعضها يُعامل معاملة عطف المفردات ، وهذا لا إشكال فيه.
2.     أن تعطف على الجمل العارية الموضع من الإعراب جملة أخرى: كقولك: زيدٌ قائمٌ وعمروٌ قاعدٌ، أو: العلم حسنٌ والجهل قبيحٌ، فلا يُقال في أمثال هذه الجمل المعطوفة أنها شاركت الأولى في إعرابٍ ما، ولكن ينبغي أن نعرف هنا مغزى العطف أو تركه، ويُفهم من كلامه هنا أن الواو لم يُؤت بها للتشريك النحوي، فالجملة الأولى لا محل لها من الإعراب، وكذا ستكون الجملة الثانية المعطوف عليها، فهما جملتان استئنافيتان، ولكن لا بدّ من البحث عن المقاصد البيانية لوجود العطف أو تركه.
-  بيّن أن حرف العطف الوحيد المتعلق بمباحث هذا الفصل هو (الواو) دون غيره، وذلك لأن بقية الحروف لها معانٍ أخر سوى الاشتراك في الحكم، فالفاء توجب الترتيب من غير تراخٍ، و(ثم) توجبه مع تراخٍ، و (أو) تفيد التردد بين شيئين، وتجعله لأحدهما دون الآخر، فإذا قلت: أعطاني فشكرته، ظهر بالفاء أن الشكر كان معقباً على العطاء ومسبباً عنه. أما حرف (الواو) فليس له معنىً سوى الإشراك في الحكم الإعرابي، فإذا قلت: جاءني زيدٌ وعمرو. لم تفد بالواو شيئاً أكثر من إشراك عمرو في المجيء الذي أثبته لزيد، ولا يتصور إشراك بين شيئين حتى يكون هناك معنى يقع ذلك الإشراك فيه، فإذا قلت: زيدٌ قائم وعمرو قاعد، فإننا لا نعطف إلا إذا كان عمرو بسبب من زيد، وحتى يكونا كالنظيرين، بحيث إذا عرف السامع حال الأول عناهُ أن يعرف حال الثاني. من هنا عابوا على أبي تمام قوله (أبو تمام، 1992م):
لا والذي هو عالمُ أن النوى


صَبِرٌ وأن أبا الحسين كريمٌ.([27])

وذلك أنه لا مناسبة بين كرم أبي الحسين ومرارة النوى، ولا تعلق لأحدهما بالآخر. فلا بدّ إذن أن يكون الخبر الثاني (المعطوف) بما يجري مجرى الشبه والنظير، أو النقيض للخبر عن الأول (المعطوف عليه). والمعاني في ذلك كالأشخاص، فإذا قلت: العلمُ حسنٌ والجهل قبيحٌ، فهو مضموم في العقول، ولذا ساغ العطف فيه ([28]). ويُفهم من كلامه في هذا الباب أن من شرط عطف الجمل التي لا موضع لها من الإعراب على بعضها وجود الجامع الحسي أو العقلي لهذا العطف يقول " فلو قلت "زيدٌ طويل القامة وعمروٌ شاعر" كان خَلْفاً، لأنه لا مشاكلة ولا تعلق بين طول القامة وبين الشعّر، وإنما الواجب أن يقال: "زيدٌ كاتب وعمرو شاعر" و "وزيدٌ طويل القامة وعمرو قصير".([29])
-  بيّن أنّ العطف يحسن بين هذه الجمل إذا كان المُخبر عنه في الجملتين واحداً كقولنا: هو يقولُ ويفعلُ ويضرُّ وينفعُ... ولو قلتَ: هو يضرُّ ينفعُ من غير (واو) لم يجب ذلك، فقد يكون قولك (ينفع) رجوعاً عن قولك (يضرُّ) وإبطالاً له، وبيّن محاسن هذا العطف في الجمل المتقابلة التي يختلف فيها الفاعل، كقولنا: أحسنتُ وأسأتَ، ويكفيك ما قلتُ وسمعتَ، ومنه قول أبي تمام:
لهان علينا أن نقولَ وتفعلا


ونذكرُ بعضَ الفضل منك وتُفضِلا.([30]) ([31])

بيّن أنه كما لا يكون عطف في الأسماء بين التابع والمتبوع، كالصفة والموصوف، والتأكيد والمؤكد، وكذلك يكون في الجمل إذا اتصلت بالتي قبلها كأن تكون مؤكدة لها ومبيّنة لها، وكانت إذا حصَّلْتَ لم تكن شيئاً سواها، ومثّلَ الشيخ على ذلك بشواهد ثمانية من القرآن الكريم عرض فيها ترك العطف بين الجمل لتمام اتصالها بها.([32])ففي قوله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} [البقرة: 1، 2]. كان قولنا (لا ريب فيه) بيان وتوكيد لقوله تعالى (ذلك الكتاب) فتعيده مرة ثانية لتثبته، فلا يحتاج إلى عاطف يعطفه عليه. وكذا قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)} [البقرة: 6، 7]، فقوله (لا يؤمنون) تأكيد لقوله (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم)، وقوله (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم) تأكيد ثان أبلغ من الأول. وكذلك قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)} [البقرة: 8، 9]، فقد قال (يخادعون) ولم يقل (ويخادعون) لأن هذه المخادعة ليست شيئاً غير قولهم (آمنا)، فهو كلام أُكد به كلامٌ آخر هو في معناه. وكذا قوله:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ(14)} [البقرة: 14، 15]، فلم يعطف(إنما نحن مستهزئون) على الجملة الخبرية السابقة (إنا معكم) ؛لأنهما في حكم الشيء الواحد. وفي قوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)}[لقمان: 7]. لم يقل (وكأن في أذنيه وقرا) لأن المقصود من التشبيه بمن في أذنيه وقر، هو بعينه المقصود من التشبيه بمن لم يسمع، إلا أن الثاني أبلغ وآكد. ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) }[يوسف: 31، 32]، فقوله (إن هذا إلاّ ملك كريم) مشابه لقوله(ما هذا بشراً) من ثلاثة أوجه، وجهان منهما هو فيهما شبيه بالتأكيد، ووجه هو فيه شبيه بالصفة:
1.     أنه شبيه بالتأكيد، فإنه إذا كان ملكاً لم يكن بشراً، فهو تأكيد لنفي أن يكون بشراً.
2.     أنه شبيه بالتأكيد من حيث إنّ العرف والعادة أنه إذا قيل: ما هذا بشراً، أن يقال: إنه ملك، فيُكنى به عن ذلك، فيكون مفهوماً من اللفظ قبل أن يُذكر، فإذا ذُكر كان تأكيداً لا محالة.
3.     أنه شبيه بالصفة في أنه إذا نفى أن يكون بشراً فقد أثبت له جنس سواه، فخرج من جنس البشر لجنس الملائكة، فكان إثباته (ملكاً) تبييناً وتعييناً لذلك الجنس الذي أُريد إدخاله فيه.([33])
ودلل على اتصال الجملة الثانية بالأولى وترك العطف ؛لأن الثانية مؤكدة لمضمون الأولى في موضعين جاء فيهما أسلوب القصر بالاستثناء بعد النفي، ففي قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ}[يس: 69] وقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى*}[النجم: 3 - 5] ، فالإثبات في الآيتين جمعياً تأكيد وتثبيت لنفي ما نُفي. ثم ختم هذا الحديث بقوله: "واعلم أنه ما من علم من علوم البلاغة أنت تقول فيه: إنه خفي غامض، ودقيق صعب إلا وعلمُ هذا الباب أغمض وأخفى وأدقّ وأصعب، وقد قنع الناس فيه بأن يقولوا إذا رأوا جملة قد ترك فيها العطف: "إن الكلام قد استؤنف وقُطع عما قبله" لا تطلب أنفسهم منه زيادة على ذلك، ولقد غفلوا غفلة شديدة".([34])
بعد أن عرض لترك العطف بين الجمل لاتصالها بينها اتصالاً تاماً. عرض لسببٍ آخر من أسباب الفصل وترك العطف بين الجمل وهو كون الجملة الثانية أجنبية عما قبلها أو لأن الوصل بينها يؤدي إلى غير المراد، ودللّ على ذلك بشواهد ثلاثة من القرآن الكريم.([35]) ففي قوله تعالى على لسان المنافقين وما جاء في الردّ عليهم {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[البقرة: 14، 15]، لم يُعطَف قوله(الله يستهزئ بهم) على ما سبقه، لأن القول الأول منهم، وهذا جاء خبر من الله أنه يجازيهم على كفرهم واستهزائهم بخلاف ما جاء في قوله {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[النساء: 142]. وقوله {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54]، فالأول من الكلامين فيهما كالثاني في أنه خبر من الله تعالى وليس بحكاية. ومن الأمثلة التي ساقها قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11، 12]، فقد جاء قوله (ألا إنهم هم المفسدون) غير معطوف على ما تقدم لأنه خبر من الله تعالى بأنهم كذلك وليس من قولهم. ومثله قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 13، 14]، فلا عطف لاختلاف القائل فضلاً عن كون جملة (أنؤمن) استفهامية، والأخيرة خبرية ولا يُعطف خبر على استفهام.
وبعد أن أنهى بيان مسّوغ الفصل في هذه الآيات الثلاث، عرض لسؤال فرضي يمكن أن يُثار ومفاده: هل يجوز عطف قوله تعالى"الله يستهزئ بهم" على (قالوا) من قوله (قالوا إنا معكم)التي هي جواب الشرط "وإذا خلوا إلى شياطينهم" دون قوله (إنما نحن مستهزؤون) وكذلك عطف (ألا أنهم هم المفسدون) وعطف (ألا إنهم هم السفهاء) على ما سبقها. كما جاء في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ} [الأنعام: 8]، فقوله(ولو أنزلنا ملكاً) معطوف من غير شك على (قالوا) دون ما بعده. وأجاب بأن القياس ممتنع بين آية الأنعام والآيات مدار البحث لاختلاف الحكم، فلو عُطف قوله (الله يستهزئ بهم) على جملة جواب الشرط (قالوا إنا معكم) للزم إدخاله في حكمه من كونه جواباً وهذا لا يصح. وبيّن أن عطف الجمل بالواو على جواب الشرط على ضربين:
أحدهما: أن تكون الجمل المعطوفة على جواب الشرط يتصور وجود كل منها دون الآخر، كقولنا: إن تأتني أُكرمْك أُعْطِكَ وأكْسك، فكل واحدة منها تصلح أن تكون جواباً للشرط.
الثاني: أن يكون المعطوف شيئاً لا يكون حتى يكون المعطوف عليه كقولنا: إذا رجع الأميرُ استأذنتهُ وخرجتُ. فالخروج لا يكون حتى يكون الاستئذان، فالرجوع سبب في الخروج من أجل كونه سبباً في الاستئذان فيكون المعنى: إذا رجع الأميرُ استأذنت وإذا استأذنت خرجتُ. ولو كان العطف في (الله يستهزئ بهم) لكان من هذا الضرب الثاني ،وهذا لا يستقيم لأن المعنى سيكون: وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون والله يستهزئ بهم، مع أن استهزاء الله تعالى بهم ليس على أنهم خلوا بشياطينهم وقالوا ما قالوا إنما هو على نفس الاستهزاء وفعلهم له وإرادتهم إياه في قولهم {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا (14)} [البقرة: 14، 15]. ولربما قالوا ما قالوا لشياطينهم دفعاً لشرهم وأن يوهموهم أنهم منهم، فكيف يؤاخذهم ويستهزئ بهم على ذلك والمؤاخذة لا تكون على القول فقط دون النية. والحق أنّ ما أفاض به الجرجاني يدلّ على ألمعيته في النحو والمعاني وإدراكه لقيام ذلك كله على المقام والسياق.
والأمر الثالث الذي يراه موجباً للاستئناف وترك العطف هو الاستئناف البياني أو ما عبّر عنه بقوله: "وها هنا أمرٌ سوى ما مضى يوجب الاستئناف وترك العطف، وهو أن الحكاية عنهم بأنهم قالوا: كيت وكيت، تحرّك السامعين لأن يعلموا مصير أمرهم وما يُصنع بهم ....وإذا كان كذلك كان هذا الكلام الذي هو قوله (الله يستهزئ بهم) في معنى ما صدر جواباً عن هذا المقدر وقوعه في أنفس السامعين، وإذا كان مصدره كذلك، كان حقه أن يُؤتى به مبتدأ غير معطوف، ليكون في صورته إذا قيل: فإن سألتم قيل لكم: الله يستهزئ بهم"([36]). فالاستئناف البياني يظهر في كون الجملة الثانية المتروك عطفها على الأولى جاءت عن سؤالٍ مقدر في الذهن بعد الجملة الأولى. ودللّ الشيخ على هذا الاستئناف البياني بـ (12) شاهداً مع ما ذكره من آية الاستهزاء في (7) شواهد منها استدلّ بالشعر ([37]). وأما الشواهد الأخرى التي ذكرها. قول الشاعر:
زعم العواذلُ أنني في غمرةٍ


صدقوا، ولكنْ غمرتي لا تنجلي.([38])

   فكأنّ سائلاً سأله بعد صدر البيت:فما قولك في ذلك؟ فقال: أقول أنا كما قالوا ولكن لا مطمح لهم في فلاحي.
ومثله قول الآخر:
زعم العواذلُ أنّ ناقة جُندب


بجنوبِ خبْتٍ عُرِّيت وأجمَّت

كذبَ العواذلُ لو رأينَ مُناخَنا


بالقادسية قُلْنَ : لجَّ وذلّت

فكأن سائلاً سأل بعد البيت الأول: ما قولك بزعمهم؟ فقال: كذب العواذلُ دون وضع المضمر موضع الظاهر فلم يقل: كذبْنَ.
وقول الآخر:
زعمتم أنّ إخوتكم قريشَ


لهم إلفٌ، وليس لكم إلافُ

          فكان العجز جواباً عن سؤال مقدر: ما قولك بزعمهم؟ فكذّب دعواهم فكأنّه قال: كذبتم لهم إلفٌ وليس لكم إلافُ.
ومنه قول اليزيدي: 
ملَّكتُهُ حبلي، ولكنه


ألقاهُ من زُهدٍ على غاربي

وقال إني في الهوى كاذبٌ


انتقم الله من الكاذبِ

فكان عجز البيت الثاني جواباً عن سؤال مقدر؛ فما تقول فيما اتهمك به من أنك كاذب؟
ومنه قول الآخر:
قال لي: كيف أنت؟ قلتُ: عليلٌ


سهرٌ دائمٌ وحُزنٌ طويل

فكأنه جاء جواباً عن سؤال: وما علتك؟
ومنه قول المتنبي (البرقوقي،2007م):
وما عفت الرياحُ له محلاً


عفاهُ من حدا بهم وساقا([39])

فكان العجزُ جواباً عن سؤال: فما عفاه إذن؟

ومثله قول الوليد بن يزيد: 
عرفتُ المنزل الخالي


عفا من بعد أحوالِ

عفاهُ كُلَّ حنّانٍ


عسّوفِ الوبْل هطّال

ثم قرر قائلاً: "واعلم أنّ السؤال إذا كان ظاهراً مذكوراً في مثل هذا، كان الأكثر أن لا يذكر الفعل في الجواب ويقتصر على الاسم وحده، فأما مع الإضمار فلا يجوز إلا أن يُذكر الفعل"([40]). فلو كان السؤال في الشاهدين الأخيرين: إن كانت الرياح لم تعفه فما عفاه؟ أن يقول: من حدا بهم وساقا ولا تذكر الفعل. أما وإن السؤال لم يذكر الفاعل في الشاهدين الأخيرين فلا يجوز ترك الفعل.
ومن الأمثلة التي ساقها للتدليل على الاستئناف البياني ما يأتي من جمل القول في القرآن حيث يأتي لفظ (قال) مفصولاً غير معطوف، مثل قوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 24 - 28]، فكأن قائلاً سأل: ما قال لهم؟ والجواب: قال سلامٌ. وكذلك القول في (ألا تأكلون) تقديره: فماذا قال حين وضع الطعام بين أيديهم؟ وكذلك يأتي سؤال آخر: فما قالوا حين رأَوه وقد تغير ودخلته الخيفة؟ فقيل: قالوا: لا تخف. ومنه ما جاء في قوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء: 23 - 31] وقوله: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} [الحجر: 57، 58] وقوله في سورة يس {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس: 13 - 21].
-      ثم أوجز بعد ذلك أحوال الجمل في فصل صغير وجعلها على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: جملة حالها مع التي قبلها حال الصفة مع الموصوف، والتأكيد مع المؤكد، فلا يكون فيها عطف ألبتة، لأنك كأنك تعطف الشيء على نفسه، وسمّاه بالاتصال لغاية.
الضرب الثاني: جملة حالها مع التي قبلها حال الاسم يكون غير الذي قبله، إلاّ أنه يشاركه في حكم ويدخل معه في معنى، فيكون حقها العطف وهو يعني بهذا أن العطف بين الجملتين يكون للتغاير بين العاطف والمعطوف مع الاشتراك في الحكم الإعرابي.
الضرب الثالث: جملة ليست في شيء من الحالين، بل سبيلها مع التي قبلها سبيل الاسم مع الاسم لا يكون منه في شيء فلا يكون إياه ولا مشاركاً له في معنى، وحق هذا ترك العطف ألبتة ، وسمّاه الانفصال لغاية.
فالعطف لما هو واسطة بين الأمرين (الضرب الأول والثالث) وكان له حال بين الحالين (من تغاير وتشريك) .([41])
-      ثم عقد فصلاً قال فيه: "هذا فنٌ من القول خاص دقيق، اعلم أنّ مما يقلُّ نظر الناس فيه من أمر العطف أنه قد يُؤتى بالجملة فلا تُعطف على ما يليها، ولكن تُعطف على جملة بينها وبين هذه التي تُعطف جملة أو جملتين".([42]) ودللّ على ذلك بقول المتنبي:
تولّوا بغتةً، فكأنّ بيْناً


تهيّبني، ففاجأني اغتيالاً

فكأنّ مسيرُ عيسهِمُ ذميلاً


وسيرُ الدمعِ إثرهم انهمالا.ً([43])

والبيتان في مدح بدر بن عمار، وتولوا: أدبروا، والبين: الفراق، وتهيبني: هابني، والاغتيال: أخذ الإنسان من حيث لا يدري، والعيس: الكرام من الإبل، والذميل: السير المتوسط، والانهمال: الانسكاب، حيث يقول: كانت إبلهم يوم أدبروا تسير الذميل ودمعي ينصب في إثرهم انصباباً.([44])
يقول الجرجاني: "وقوله "فكان مسيرَ عيسهم ذميلاً، معطوف على "تولوا بغتة" دون ما يليه من قوله: "ففاجئني" لأن إن عطفناهُ على هذا الذي يليه أفسدنا المعنى، من حيث إنه يدخل في معنى "كأن" وذلك يؤدي إلى أن لا يكون مسيرُ عيسهم حقيقيةً ويكون متوهماً، كما كان تهيَّب البين كذلك"،([45]) وهذا ملحظ دقيق منه يتضمن مع ما قاله عنه في بداية هذا الفصل.
ثم قرر بعدها قائلاً: "فأمرُ العطفِ إذن موضوعٌ على أنك تعطفُ تارةً جملة على جملة، وتعمد أخرى إلى جملتين، أو جُمل فتعطف بعضاً على بعض ، ثم تعطف مجموع هذي على مجموع تلك، وينبغي أن يُجعل ما يُصنع في الشرط والجزاء من هذا المعنى أصلاً يُعتبر به".([46]) ثم مثّل لذلك بقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 112]. فالشرط في مجموع الجملتين لا في كل واحدة منهما على انفراد ولا في واحدة دون الأخرى، لأنه إذا قلنا إنه في كل واحدة منهما على الانفراد جعلناهما شرطين، وليس عندنا جزاءان بل جزاء واحد. وإذا قلنا إنه في واحدة منهما دون الأخرى أشركنا ما ليس بشرطٍ في الجزم بالشرط ، وهذا فاسد، ثمّ إن المعنى يدل على أن الجزاء (احتمال البهتان والإثم المبين) أمر يتعلق إيجابه لمجموع ما حصل من الجملتين. ومثله قوله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100]، لم يُعلق الحكم فيه بالهجرة على الانفراد بل بها مقروناً إليها أن يدركه الموت عليها. ثم ذكر الجرجاني مثالاً أخيراً على عطف الجمل على بعضها بما يلائم المعنى في ذلك في قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ*وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [القصص: 44- 45]، فالعطف بين الجمل في الآيتين لا يصح على ما قبلها، لأنك ستقول في قوله (وما كنت ثاوياً في أهل مدين) معطوفاً على قوله (فتطاول عليهم العمر) وذلك يقتضي دخولاً في معنى (لكن) ويصير المعنى: ولكنك ما كنت ثاوياً، وذلك ما لا يخفى فساده. والصواب أنّ مجموع قوله: (وما كنت ثاوياً في أهل مدين يتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين) معطوفٌ على مجموع قوله (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قروناً فتطاول عليهم العمر) وثم عرض سؤالاً مفاده لماذا لا تكون (وما كنت ثاوياً في أهل مدين) معطوفاً على قوله (وما كنت من الشاهدين)؟ أجاب بأنه لو كـان كذلك لوجب أن يُنوى به التقديم على قوله (ولكنا أنشأنا قروناً) وأن يكون الترتيب: وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين وما كنت ثاوياً في أهل مدين نتلوا عليهم آياتنا ولكنا أنشأنا قروناً فتطاول عليهم العمر ولكنا كنا مرسلين. وفي ذلك إزالة لـ (لكن) عن موضعها الذي ينبغي أن تكون فيه. فسبيل (لكن) هو سبيل (إلا). فكما لا يجوز أن تقول: جاء القوم وخرج أصحابك إلا زيداً وإلا عُمراً. بجعل (إلا زيداً) استثناء من جاءني القوم، و(إلا عمراً) استثناء من (خرج أصحابك) كذلك لا يجوز أن تصنع مثل ذلك بـ (لكن)، وإنما تجوز نية التأخير في شيء معناه يقتضي له ذلك التأخير، ومعنى (لكن) في الآية يقتضي أن تكون في موضعها الذي هي فيه.([47])
المطلب الثاني: قضايا الفصل والوصل عند السكّاكي
         بدأ السكّاكي حديثه عن الفن الرابع والأخير من فنون الخبر([48]) وقد جعله في تفصيل اعتبارات الفصل والوصل والإيجاز والإطناب بقوله: "مركوزٌ في ذهنك لا تجد لرده مقالاً، ولا لارتكاب جحده مجالاً أن ليس يمتنع بين مفهومي جملتين اتحاد بحكم التآخي، وارتباط لأحدهما بالآخر مستحكم الأواخي، ولا أن يباين أحدهما الآخر مباينة الأجانب، لانقطاع الوشائج بينهما من كل جانب، ولا أن يكونا بين لآصرة رحم ما هنالك، فيتوسط حالهما بين الأولى والثانية لذلك.([49]) فقد قسّم أحوال الجمل إلى ثلاثة أقسام: متصلة ومنفصلة ومتوسطة بين اتصال وانفصال، وهو ذات ما قرره الجرجاني، حين قسّم الجمل إلى ثلاثة أضرب([50]) كما تقدم في المطلب السابق.
            ثم تحدث عن مدار الفصل والوصل في ترك العاطف وذكره، وطي الجمل عن البين أو عدم طيها، وقال عن فضل هذا العلم ما سبق ذكره في كونه محك البلاغة، ومنتقد البصيرة، ومضمار النظّار، ومتفاضل الأنظار....([51])
         وهو مشابه لكلام الجرجاني في مقدمة حديثه عن الفصل والوصل وأنه غامض، دقيق المسلك لا يكمل لإحراز الفضيلة فيه أحد إلاّ كمل لسائر معاني البلاغة.([52])
         بيّن أن عطف الجمل على بعضها أو ترك العطف بينها نوعان: 1.نوعٌ يقرب تعاطيه، ويكون بغير الواو أو بالواو، ولكن بين الجمل التي لا محل لها من الإعراب. 2.نوعٌ بعيد يبعد تعاطيه، ويكون بالواو وحدها، ولكن في الجمل التي لا محل لها من الإعراب. والسبب في القرب والبعد عنده أن العطف في باب البلاغة يعتمد على معرفة أصول ثلاثة: 1. الموضع الصالح له من حيث الوضع. 2. فائدته. 3. وجه كونه مقبولاً لا مردوداً، وإذا اتقنّا معرفة معاني حروف العطف حصّلنا الأصول الثلاثة.([53])وبذلك فقد أفاد من الجرجاني الذي قال: إن عطف الجمل على ضربين: عطف الجمل التي لها محل من الإعراب، وعطف الجمل التي لا محل لها من الإعراب في الواو وحدها ([54]). ولكن السكّاكي أضاف معرفة هذه الأصول الثلاثة.وبيّن أنّ الإعراب صنفان: تبع (الجمل التابعة لبعضها لكونها من الأنواع الخمسة: البدل، والوصف، والبيان، والتأكيد، وعطف النسق) وليس بتبع، فكل جملة مستقلة عمّا سبقها فلا عطف بين هذين الصنفين، إما لأنّ التابعة هي عين المتبوعة، وإما لعدم وجود مسوّغ للعطف.([55])
         بيّن أنّ عطف الجمل التي لا محل لها من الإعراب بَعُدَ تعاطيه لكون الأصول الثلاثة المتقدمة في شأنه غير ممهدة لك، ثم قال (وهو السر في أن دق مسلكه وبلغ من الغموض إلى حيث قصر بعض أئمة علم المعاني البلاغة على معرفة الفصل والوصل وما قصرها عليه إلاّ لأنّ الأمر كذلك، وإنما حاول بذلك التنبيه على مزيد غموض هذا الفن، وأنّ أحداً لا يتجاوز هذه العقبة من البلاغة إلاّ إذا كان خلف سائر  عقباتها خلفه) ([56]). وهو عين كلام الجرجاني السابق، غموض هذا الفن ودقة مسلكه، وأنه لا يكمل لإحراز الفضيلة فيه أحد إلاّ كمل لسائر معاني البلاغة.([57])ولا شك أن الجرجاني قال عن هذا النوع الذي بعد تعاطيه أنه يشكل، لذا ينبغي أن يُعرف المطلوب من هذا العطف والمغزى منه.([58])
         بيّن أن الفصل بين الجمل إما لكمال الاتصال، أو لكمال الانقطاع، أو للاستئناف، وأن الوصل يكون بين كمال الاتصال وكمال الانقطاع ،ولكل منها حالات تقتضيه([59]). ويُلحظ هنا أنه يوافق الجرجاني فيما سبق وقرره، خلا أنه لم يسمّه كما فعل الجرجاني باتصال لغاية أو انفصال لغاية، بل قال: كمال اتصال وكمال انفصال. وبيّن أن الحالة المقتضية لكمال الانقطاع: 1.اختلاف الجملتين خبراً وطلباً. 2.عدم وجود مانع عقلي، أو وهمي، أو خيالي بين الجملتين، حتى لو اتفقتا في الخبرية. وأما كمال الاتصال فلكون الجملة الثانية بدلاً من الأولى، أو موضحةً ومبينةً لها، أو مؤكدةً ومقررةً لمضمونها، وأما التوسط بين كمال الاتصال وكمال الانقطاع فهو لأمرين:
1. اتفاق الجملتين في مضمون الخبرية أو الإنشائية بأن تؤول إحدى الجملتين إلى معنى الجملة الأخرى في الخبر والإنشاء ، من تضمين الخبر معنى الطلب أو الطلب معنى الخبر وبينهما جهات جامعة.
2. أو أن تتفق الجملتان في الخبرية وبينهما جامع، وكلما كانت الشركة أكثر كان الوصل بالقبول أجدر([60]).
- بيّن السكّاكي ، وبإسهاب، ضرورة وجود الجهة الجامعة من عقل أو وهم أو خيال بين تلك الجمل، ودللّ على ذلك بشواهد وأمثلة دلت على بلاغته وتصرفه في الفصاحة وفن القول، والجامع العقلي بنظره هو أن يكون بين جملتين اتحاد في تصور، مثل: الاتحاد في المخبر عنه، أو في الخبر، أو في قيد من قيودهما، والجامع الوهمي هو أن يكون بين تصوراتهما شبه تماثل نحو: أن يكون المخبر عنه في أحدهما لون بياض، وفي الثانية لون صفرة، فإنّ الوهم يحتال في أن يبرزهما في معرض المثلين. كقول من قال:
ثلاثةٌ تشرق الدنيا ببهجتها


شمسُ الضحى وأبو إسحق والقمرُ

فقد اشترك أبو إسحق في الحسن مع الشمس والقمر. أو كقول القائل:
إذا لم يكن للمرء في الخلقِ مطمعٌ


فذو التاج وإلقاءُ الذرُّ واحدُ.([61])

والجامع الخيالي: أن يكون بين تصورات الجملتين تقارن في الخيال سابق لأسباب مؤدية إلى ذلك. فإذا رأيت كاتباً يعدد: محبرة ومنشار وقلم. أدركت هذا الجامع. ([62])
ثم قال: "ولصاحب علم المعاني فضل احتياج في هذا الفن إلى التنبه لأنواع هذا الجامع والتيقظ لها لا سيما النوع الخيالي، فإن جمعه على مجرى الألف والعادة بحسب ما تنعقد الأسباب في استيداع الصور خزانة الخيال"([63])،ودللّ على ذلك بقوله تعالى مع أهل الوبر { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)} [الغاشية: 17-21]، فأهل الوبر مطعمهم ومشربهم وملبسهم من المواشي لا سيما الإبل، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن ترعى وتشرب فكان نظرهم إلى السماء لنزول المطر، ثم يحتاجون إلى مأوى يأويهم من الجبال، فإن تعذر ذلك كان غرضهم التنقل من أرضٍ إلى سواها، وهكذا.([64])
ضرب السكّاكي الأمثلة والشواهد الكثيرة حول كل حالة من الحالات التي ذكرها للفصل والوصل بين الجمل.
فمن حالات التوسط بين الكمالين من تضمين الخبر معنى الطلب أو العكس. ذكر قول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)} [البقرة: 83]، فلا يخفى أن قوله (لا تعبدون) مضمن معنى (لا تعبدوا) فحسن العطف بينها([65]). ومن تضمين الطلب معنى الخبر قوله {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)} [البقرة: 63] ، أي: وقلنا، أو: قائلين: خذوا. وقوله {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50)} [الأنفال: 50]. أي: ويقولون: ذوقوا.([66])
ومن ترك العطف للقطع أو الاستئناف قول الشاعر:
وتظنّ سلمى أنني أبغي بها


بدلاً أُراها في الضلال تهيمُ.

لم يعطف (أُراها) كي لا يحسب السامع العطف على (أبغي) دون (تظن) ويعد (أُراها في الضلال تهيم) من مظنونات سلمى في حق الشاعر وهو ليس بمراد. وليس بمستبعد أن يكون جواباً عن سؤال مقدر: فما قولك في ظنها ذلك؟ أُراها في الضلال تهيم. جواباً لهذا السؤال على سبيل الاستئناف.([67])
وقد أورد في ذلك شواهد كثيرة توجه على القطع أو الاستئناف تقارب (15) شاهداً، منها (10) شواهد سبقه بها الجرجاني في باب الاستئناف.([68]) إلا أن السكّاكي كان موجبها بأكثر من وجه إما على الاستئناف ،أو كمال الاتصال، أو كمال الانقطاع.
ومن الشواهد التي ذكرها على ترك العطف للبدليه، قول الشاعر:
أقول له: ارحل لا تقيمنّ عندنا


وإلا فكن في السر والجهر مسلماً.

فقد فصل (لا تقيمنّ عندنا) عن (ارحل) لقصد البدل، وفصل قوله (قالوا أإذا متنا) عن (قالوا مثل ما قال الأولون) في قوله { وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82)} [المؤمنون: 80 - 82] ، للبدلية أو على الاستئناف، لما في قوله (مثل ما قال الأولون) من الإجمال المحرك للسامع أن يسأل، ماذا قالوا؟ وكذا قوله {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)} [الشعراء: 132 - 134]، الفصل فيه للبدل، ويحتمل الاستئناف.([69])
ومن الأمثلة التي ساقها للفصل بين الجمل لكون الثانية موضحة ومبينة للأولى، قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)} [البقرة: 8، 9]. لم يعطف يخادعون على ما قبله لكونه موضحاً له ، وكذلك قوله {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)} [طه: 120]، لم يعطف (قال) على (وسوس) لكونه تفسيراً له وتبيينا.ً([70])
وهنا نتساءل : لماذا لم يتوسع في توجيه الآيتين، فكل واحدة منهما يلائمها الاستئناف، ففي الأولى كأن سائلاً يسأل: لماذا يقولون ما يقولون؟ فالجواب: يخادعون الله والذين آمنوا. وفي الثانية يكون السؤال: ماذا وسوس له الشيطان؟ قال: هل أدلك على شجرة الخلد، وهكذا. وساق السكّاكي شواهد على الفصل بين الجمل للتقرير والتوكيد بما سبق وذكره الجرجاني في قوله تعالى {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} [البقرة: 1، 2] ([71])،وقوله {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)} [البقرة: 6، 7] ([72])، وقوله تعالى { مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)}[يوسف: 31]([73])، ومن الأمثلة التي ساقها للانقطاع بين الجمل للاختلاف بين الخبرية قول الشاعر:
ملكته حبلي ولكنه


ألقاه من زهدٍ على غاريي

وقال إني في الهوى كاذب


انتقم الله من الكاذبِ.


لأنه أراد الدعاء بقوله (انتقم) فساغ العطف بينها.([74])وكان الجرجاني قد ذكر هذا الشاهد على الاستئناف فكأن سائلاً قال: فيما اتهمك به من أنك كاذب؟ فقال: أقول: انتقم الله من الكاذب([75]). وتوجيه الجرجاني ألصق وأقرب.
ومن شواهد قطع الجمل عن العطف لعدم وجود الجامع، قطع قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)}[البقرة: 6]عن الآيات التي سبقتها في وصف المتقين([76]). واستدلّ لذلك أيضاً بما سبق ذكره الجرجاني من أنهم عابوا على أبي تمام قوله:
لا والذي هو عالم أن النوى


صبرٌ وأن أبا الحسين كريم.([77])

- ختم السكّاكي حديثه عن الفصل والوصل بذكره لبعض محسنات الوصل من تناسب الجملتين في الاسمية أو الفعلية بما يلائم المقام ، وهذه أشياء لم يتحدث عنها الجرجاني في الفصل والوصل، ودللّ على ذلك بشواهد من مثل: قوله تعالى {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)} [الأعراف: 193]، والمعنى: سواءٌ عليكم أحدثتم الدعوة لهم أم استمر عليكم صمتكم عن دعائهم، لأنهم كانوا إذا حز بهم أمر دعوا الله دون أصنامهم. وكذلك قوله {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)} [الأنبياء: 55]، والمعنى: أجددت وأحدثت عندنا تعاطي الحق فيما نسمعه منك؟ أم اللعب، أي أحوال الصبا بعدُ على استمرارها عليك.([78])
المبحث الثاني: الموازنة بين الشيخين في تناول قضايا الفصل والوصل
المطلب الأول: الموازنة بين الشيخين من حيث المنهج والأسلوب
         لا شك أن الأسلوب الذي يُتبع في الكتابة يخضع للمنهج العام الذي يريده المصنف، فالعلاقة بين المنهج والأسلوب علاقة سببية، فالأول سبب للثاني، من هنا فقد تباينت مناهج الشيخين في تناولهما لقضايا البلاغة وبالتالي تباينت أساليبهما تبعاً لذلك، وقد ذكر أبو هلال العسكري في مقدمة (الصناعتين) المنهج الذي سيسلكه، فقال: "ليس الغرض في هذا الكتاب سلوك مذهب المتكلمين، وإنما قصدت فيه قصد صنّاع الكلام من الشعراء والكتّاب فلهذا لم أطل الكلام في هذا الفصل".([79]) فأشار إلى وجود مدرستين: واحدة للمتكلمين، والثانية للأدباء من شعراء وكتّاب، وتحدث السيوطي، أيضاً، وميّز بين مدرستين في تناول مسائل البلاغة هما: طريقة العرب البلغاء، وطريقة العجم وأهل الفلسفة.([80]) وقد تحدث الأستاذ أمين الخولي (الخولي،1947م)([81]) عن هاتين المدرستين وخصائصهما، وصلتهما في التأثر والتأثير، وصراعهما في الحياة حديثاً مطولاً أفاد منه الكثيرون ممن جاءوا بعده. لعل من أهم خصائص المدرسة الكلامية: اقتباس المظاهر المنطقية والفلسفية من تعريفات وتقسيمات وضبط المباحث وتحديدها بالاعتبارات العقلية، والإقلال من الشواهد الأدبية، وعدم العناية بالناحية الفنية في إدراك خصائص التراكيب واستعمال المقاييس الحكمية في تقدير المعاني الأدبية، مما أفسد الملحظ الأدبي إفساداً مؤلماً.([82]) بينما تمتاز المدرسة الأدبية في نظر الأستاذ أمين الخولي بأنها تجافي الأحكام النظرية وتعتمد الذوق في إدراك البلاغة والإحساس الروحاني، ويفهم منه أن رائد المدرسة الأدبية هو عبد القاهر الجرجاني، ورائد المدرسة الكلامية هو السكّاكي،([83])وإننا لنجد أن عبد القاهر الجرجاني لم يسلم من النقد باعتماده طرائق الفلاسفة كالسكّاكي، أيضاً ، فلقد اتهم الجرجاني من قبل طه حسين (حسين،1939م)([84]) بادئ ذي بدء بأنه فيلسوف مقلد لأرسطو فقال: "ولذلك لم يكن عبد القاهر الجرجاني عندما وضع في القرن الخامس كتاب (أسرار البلاغة) المعتبر غرّة كتب البيان العربي إلا فليسوفاً يجيد شرح أرسطو والتعليق عليه، وإنا لنجد في كتابه المذكور جراثيم (الطريقة التقريرية) التي أودت بالبيان العربي في القرن السادس".([85]) وسار على دربه د. شوقي ضيف (ضيف،1965م).([86]) وكذلك الأستاذ أمين الخولي،([87]) ود.عمر الملاّ حويش (حويش،1972م) الذي عدّ الجرجاني قد خرج عن المدرسة الأدبية في دلائل الإعجاز، وكان في ذلك أقرب إلى مدرسة بلاغة العجم، فقد رأى أنّ الجرجاني قد ابتعد في تقرير مسائل الإعجاز عن المدرسة الأدبية وسلك منهج المتكلمين([88]) وغيرهم. وقد تصدى لهذه الفِرية د. أحمد بدوي([89]) ود. محمد أبو موس([90]) وأ.د. فضل عباس –رحمه الله-،([91])وغيرهم بما يثبت أصالة هذه البلاغة وعدم تأثرها بالفكر الأرسطي، أو اليوناني ،أو الهندي وغيرها من الثقافات. وبهذا فنحن نوازن في هذه الدراسة بين رائدين لمدرستين مختلفتين منهجاً وأسلوباً مما يُعطي هذه الدراسة قيمتها العلمية، ويتحدث د. طبانة عن هذه المدرسة الكلامية التي أدخلت البيان في طور من التقسيم والتقنين والتعريف ومحاولة حصر المسائل، فأصبحت قواعد تحفظ ولا يُقاس عليها، يقول (طبانة، 1962م): "وصاحب هذا الأثر هو السكّاكي مؤلف (مفتاح العلوم) الذي عالج فيه البيان بعقليته أصح ما توصف به أنها عقلية ليست بيانية. وحسبنا دليلاً على ذلك أنه درس البيان في هذا الكتاب بالروح التي درس بها فيه إلى جانبه علم النحو، وعلم الصرف، وعلم الاستدلال –وهو علم المنطق- وعلم العروض، وعلم القوافي، وهذا ما لم يفعله أحد من الذين سبقوه إلى الكتابة في البيان، لا لأنهم كانوا يجهلون تلك العلوم التي أحصاها السكّاكي، فربما كان فيهم من هو أكثر منه علماً بها، ولكنهم نظروا إلى طبيعة هذا الفن فألفوه علماً جمالياً يبعد مجاله عن مجال تلك العلوم".([92]) ولعل الذي حمل السكّاكي على هذا الاتجاه الكلامي ما راج في عصره من علوم الفلسفة والمنطق والكلام والبحث والمناظرة، وقد درس الفلسفة اليونانية وتأثر بها([93]) وقد بيّن د. أحمد مطلوب ظهور المنطق والفلسفة عند السكّاكي في ربطه للبلاغة بعلم الاستدلال، وكذلك في تعريفاته وفي تقسيمه للموضوعات وتقسيمه علم المعاني إلى قانونين: الأول : يتعلق بالخبر، والثاني: بالطلب. وكل قانون إلى فنون، وكذلك في تقسيمات كل فن([94]). يقول د. شوقي ضيف: "وحقاً استطاع السكّاكي أن يسوّي من نظرات عبد القاهر والزمخشري علمي المعاني والبيان، ولكن بعد أن أخلاهما من تحليلاتهما الممتعة البارعة للنصوص الأدبية، وبعد أن سوّى قواعدهما تسوية منطقية عويصة، حتى ليصبح المنطق، وأيضاً، الفلسفة جزءاً منها لا يتجزأ، وحتى ليحتاج كتابه في هذا القسم إلى الشرح تلو الشرح، ويشرحه وتتولى الشروح... وكل شارح يضيف من أصباغ المنطق والفلسفة وعلم الكلام ما تمده به ثقافته، وكان ذلك إيذاناً بتحجر البلاغة وجمودها جموداً شديداً، إذ ترسبت في قواعد وقوالب جافة، وغدا من العسير أن تعود إليها حيويتها ونضرتها القديمة"([95]) وقد تكفل د. مطلوب في بيان شروح المفتاح ومصنفيها، وكذلك مختصراته ،ونظمه وشروح شرحه (التلخيص)، ومختصرات التلخيص ،ومنظوماته بما زاد عن خمسين مصنفاً.([96])
         مما جعل ابن خلدون يهمل مرحلة هامة من مراحل البلاغة قبل السكّاكي وهي مرحلة الجرجاني وما أثرى به هذا العلم، فكتب وهو يؤرخ لعلم البيان(ابن خلدون،2004م): "وكتب فيها جعفر بن يحيى والجاحظ وقدامة وأمثالهم إملاءات غير وافية فيها، ثم لم تزل مسائل  الفن تكمل شيئاً فشيئاً إلى أن محّض السكّاكي زبدته، وهذّب مسائله، ورتّب أبوابه على نحو ما ذكرناه آنفاً من الترتيب، وألّف كتابه المسمى المفتاح في النحو والتصريف والبيان، فجعل هذا الفن من بعض أجزائه، وأخذه المتأخرون من كتابه، ولخصوا منه أمهات هي المتداولة لهذا العهد كما فعله السكّاكي"([97]).
وفي ضوء ما تقدم، فإنه يمكن القول إنّ معالم منهج عبد القاهر الجرجاني في تناوله لموضوع الفصل والوصل قد باينت ما جاء عند السكّاكي نظراً لاختلاف المدرستين اللتين ينتميان إليها، ومن أهم معالم منهج الجرجاني في تناوله لهذا الموضوع:
1. عدم اهتمامه بالتقعيد ووضع الحدود للتعريفات التي وقف عليها.
2. عدم الإكثار من التقسيمات والتفريعات إلا بالقليل: فقد تحدث عن عطف الجمل التي لها محل من الإعراب عن بعضها وكذلك العارية عن الإعراب، وبيّن أن الإشكال يعرض في النوع الثاني، وتحدث عن الاستئناف وعن حال الجمل مع بعضها، وعن عطف الجمل على جملٍ تفصل بينها وبين المعطوف عليها جمل أخرى ولم يكثر من التقسيمات بقدر ما عرض من الشواهد.
3. الابتعاد عن المصطلحات والتعابير الغامضة وعبارات الفلسفة والجدل، فكانت عباراته سلسة سهلة لا غموض فيها ولا تعقيد، كما ظهر في عرضها في أثناء هذه الدراسة.
4. الاعتماد على التذوق والإحساس البلاغي في العرض، فقد بيّن في مقدمة هذا الموضوع أنه لا يتأتى لتمام الصواب فيه إلا قومٌ قد جُبلوا على البلاغة، وأتوا فناً من المعرفة في ذوق الكلام([98]).
         وبيّن أن المعاني كالأشخاص،([99]) ويظهر هذا في إطالته النفس في شرح الشواهد التي يعرضها من آيات أو شواهد شعرية بما يزيل الغموض عنها ويربطها في المقاصد التي سيقت لأجلها، فهو يملك حساً فنياً رفيعاً يتذوق به جمال العبارات وحسن تركيبها وقدرة فائقة في التحليل والشرح.([100])بينما في المقابل يمكن إيجاز معالم منهج السكّاكي وأسلوبه في تناول الموضوع على النحو الآتي:
1. الاعتناء بوضع القواعد: وظهر ذلك منذ الجملة الأولى في الموضوع حيث قال: "مركوز في ذهنك لا تجد لردّه مقالاً، ولا لارتكاب جحده مجالاً، أن ليس يمتنع بين مفهومي جملتين اتحاد بحكم التآخي..."،([101]) وظهر أيضاً في تعقيده لموجبات الفصل والوصل وللجامع بين الجمل ، وغير ذلك كما تقدم في عرض الموضوع عنده في هذه الدراسة.
2. الاعتماد على الفلسفة والجدل لا سيما في حديثه عن الجامع العقلي، والوهمي، والخيالي([102]).
3. استعمال المصطلحات والتعابير الغامضة، فقد تحدث عن مصطلحات غريبة مثل: قسمة الغلطي، والسطل والزُّبي، والطبيين، والبهرج، والعفص، وأهل الوبر، ودسكرة... وغيرها. وسمّى الاتصال لغاية بكمال الاتصال والانفصال لغاية بكمال الانقطاع، وكذلك في حديثه عن أهمية هذا العلم مقارنةً مع ما جاء عند الجرجاني.
4. كثرة التفريعات والتقسيمات، فقد قسّم العطف إلى قسمين: قريب التعاطي وبعيد التعاطي، وذكر أصولاً ثلاثة لهذا القرب أو البعد.([103]) وذكر أن الإعراب صنفان: تبع وليس بتبع.([104]) وبين حالات القطع وحالات الوصل، وحالة الإبدال وحالة الإيضاح، وحالات كمال القطع، وأنواع الجامع، وحالات التوسط، ومحسنات الوصل، وما إلى ذلك.([105])
5. التداخل والتكرار: فقد تحدث عن حالات الوصل والقطع في البداية،([106]) ثم أعادها في النهاية([107])  وهكذا.
المبحث الثاني: الموازنة بين الشيخين من حيث المادة العلمية
         لا شك أن السكّاكي قد أفاد كثيراً مما ذكره الجرجاني في الفصل والوصل وغيره من الموضوعات ولا نبالغ إن قلنا:  إنّ جُلَّ ما كتبه الجرجاني تحت هذا الباب قد ذكره السكاكي ولكن وفق أسلوبه الخاص، يقول من كتب عن بلاغة السكّاكي في باب الفصل والوصل: "ويتضح أثر الجرجاني في هذا الباب أكثر من غيره، فقد سطا عليه السكّاكي سطواً عجيباً، وأدخله في كتابه بعد أن طبعه بطابعه الخاص"،([108]) وحتى نؤكد ذلك نقول: إنّ نحو (17) شاهداً قرآنياً وشعرياً مما جاء عند الجرجاني قد أخذه السكاكي ، ولكن لا شك أنه خالفه وزاد عليه في بعض أمور سيأتي الحديث عنها، ومما أخذه عنه ووافقه فيه:
- الحديث عن أهمية هذا الباب وغموضه ودقة مسلكه.([109])
- تقسيم الجمل إلى ثلاثة أضرب: اتصال لغاية عند الجرجاني وسماها السكّاكي: كمال اتصال، وانفصال لغاية عند الجرجاني وسماها السكّاكي: كمال انقطاع، وجملة واسطة بين الأمرين عند كليهما.([110])
- تعريف الفصل والوصل، وإن بدأ الجرجاني بالعطف، وبدأ السكاكي بالفصل.([111])
- تقسيم الجمل المعطوفة على بعض إلى: 1. جمل  لها محل من الإعراب عدّها الجرجاني من عطف المفرد على المفرد، 2. وجمل لا محل لها من الإعراب وعدّ الجرجاني أن هذا القسم هو الذي يشكل.وعدّ السكّاكي النوع الأول (التي لها محل من الإعراب) يقرب تعاطيه، والثاني (التي لا محل لها من الإعراب) يبعد تعاطيه.([112])
- الاتفاق على أن العطف بحروف العطف الأخرى غير الواو تحصل فيه الفائدة دون إشكال لدلالة معاني هذه الحروف.([113])
- اتفقا على ضرورة وجود جامع أو مناسبة في عطف الجمل بعضها على بعض.([114])
- اتفقا على ازدياد الاشتباك والاقتران في عطف المتضادين كقولنا: هو يضرّ وينفع وأُحسن ويسيء.([115]) 
- اتفقا على أن عطف الصفة على الموصوف ، والتأكيد على المؤكد لا يجوز؛ لأنه من عطف الشيء على نفسه.([116])
-اتفقا على أنّ من شرط العطف بين الجمل الاتفاق في الخبرية أو الإنشائية في المعنى.([117])
-اتفقا على أن الاستئناف (البياني) من موانع الوصل؛ لأن الجملة الثانية تصلح جواباً عن سؤالٍ فهم بعد الجملة الأولى([118])
-اتفقا على أنّ الجملة قد لا تعطف على سابقتها ولكن تُعطف على جملة بينها وبين هذه جملة أو جملتان، واستدل الجرجاني لذلك بقول المتنبي –كما تقدم:
تولوا بغتة فكأن بيناً


تهيبني ففاجأني اغتيالاً

فكان مسير عيسهم ذميلاً


وسيرُ الدمع إثرهم انهمالاً([119])

 واستدل السكاكي بقول الشاعر –كما تقدم-:
وتظنّ سلمى أنني أبغي بها


بدلاً أُراها في الضلال تهيمُ([120]).

واستدلّ بشواهد أخرى.([121])
- اتفقا على أن ترك العطف يكون لاختلاف الجملتين في الخبرية و الإنشائية ولعدم الاشتراك في الحكم النحوي ولعدم وجود الجامع.([122])
         وعلى الرغم من اتفاقهم في هذه القضايا وتأثر السكّاكي الواضح فيها برأي الجرجاني، إلاّ أنّه كان لكلٍ منهما انفراداته وخصوصيته، على النحو الآتي:
1. بدأ الجرجاني حديثه عن العطف ، وبدأ السكاكي الحديث عن الفصل.([123])
2. عدّ الجرجاني أن مدار الفصل والوصل هو في عطف الجمل التي لا محل لها من الإعراب، لأنّ عطف الجمل التي لها محل من الإعراب حكمه حكم عطف المفرد. يقول د. أبو موسى (أبو موسى،2007م): "تجاوز فيه عبد القاهر بحث المفرد، لأنك لا تجد مفرداً إلا وله محلّ من الإعراب، والإعراب يعني العلاقة ولُحمة النسب بين الكلمات في الجملة الواحدة، وإذا صحت العلاقة الإعرابية واستقامت في ذوق النحو، فهي تلك المناسبة الصحيحة التي يرضاها ذوق البلاغة، فلا داعي إذن لأن يُشغل بحث البلاغة بما يقوم به النحو، لأن العلوم تتكامل ولا تكرر... وكما ألقى عبد القاهر على عاتق النحو بحث المفردات والمناسبات بينها، ألقى على عاتقه ،أيضاً، بحث الجمل التي لها محل من الإعراب، لأنها لا تكون كذلك إلا وهي واقعة موقع المفرد، وبحث الجمل المعطوفة بالفاء وثمّ وغيرها من الحروف التي يُرشد العطف بها إلى اعتبارات معنوية واضحة كالتعقيب والتراخي ... إذن فليمضِ بحث الفصل والوصل قاصداً إلى الجمل التي لا محل لها من الإعراب والتي ترتبط بالواو خاصةً".([124])
         لكن السكّاكي ذهب إلى أنّ الفصل والوصل يأتي في الجمل والمفردات ،سواءً أكان في الواو أم في غيرها ، وعدّ أن البعد والقرب في التعاطي هو الذي جعل من عطف الجمل التي لها محل من الإعراب بالواو أو بغيرها قريب التعاطي، وأن العطف بالواو بين الجمل التي لا محل لها من الإعراب بعيد التعاطي، ولكنه لم يرَ أنه مشكل كما فعل الجرجاني.([125]) ولهذا فإنّ القزويني في تلخيصه للمفتاح لمّا عرّف الفصل والوصل قال (القزويني،2002م): "الوصل عطف بعض الجمل على بعض، والفصل ترك هذا العطف".([126]) وسار على هذا شرّاح التلخيص مثل: السُبكي الذي قال (السبكي،2003م): "والمراد بالجمل جنس الجمل([127])  والتفتازاني الذي قال (التفتازاني،2004م): "وإنما قال : عطف بعض الجمل على بعض دون أن يقول: عطف كلام على كلام يشمل الجمل التي لها محل من الإعراب".([128])
3. تحدث السكّاكي عن أنّ قرب القريب وبعد البعيد في التعاطي في عطف الجمل السابقة يقوم على أصول ثلاثة:-
 1. معرفة الوضع
 2. فائدته
 3. كونه مقبولاً لا مردوداً، بينما أشار الجرجاني إلى أن عطف الجمل التي لا محل لها من الإعراب يكمن فيه الإشكال ؛لأنه ينبغي أن تعرف المطلوب والمغزى من هذا العطف ، ولم يستو الحال بين أن تعطف وأن تدع العطف.
4. ذكر الجرجاني من حروف العطف ومعانيها (الفاء)، و (ثم)، و (أو) وذكر معانيها، فيما زاد السكّاكي عليها (حتى)، و (لا)، و (بل)، و (لكن)، و(أم)، و(أما)، و(أي)، ولم يتحدث عن معانيها.([129])
5. تحدث السكّاكي عن قطع الجملة المعطوفة عن الجملة المعطوف عليها في الحكم على سبيل الاحتياط أو الوجوب ولم يمثل لذلك.([130]) بينما لم يتحدث الجرجاني عن شيء من هذا.
6. تحدث الجرجاني في اتصال الجملة الثانية بالأولى مما يوجب ترك العطف عن كونها صفة أو مؤكدة للأولى وزاد السكّاكي أن تكون عطف بيان وأن تكون بدلاً منها، وتحدث عن أنواع البدل.([131])
7. تحدث السكّاكي عن التقديم والتأخير في الجمل المعطوفة،([132]) ولم يعرض لذلك الجرجاني في مبحث الفصل والوصل.
8. قسم السكّاكي الإعراب إلى قسمين: تبع وغير تبع،([133])  ولم يعرض لهذا الجرجاني.
9. اشترط السكّاكي وجود الجامع في عطف المفردات والجمل، وتحدث عن أنواعه، ودللّ عليه بشواهد أدبية، بينما اشترط الجرجاني وجود التناسب في عطف الجمل، واشترط في عطف المفردات وجود الإشراك في الحكم الإعرابي([134])، ولم يعرض الجرجاني للجامع وأنواعه وصوره.
10. قام السكّاكي بتوجيه بعض الشواهد التي شارك فيها الجرجاني -بل وأخذها عنه- توجيهاً آخر إضافياً أو مخالفاً. فقد وجه الجرجاني ترك العطف في قول الشاعر:
زعمتم أن إخوتكم قريشٌ


لهم إلفٌ وليس لكم إلافُ

على الاستئناف. بينما أضاف السكّاكي وجهاً آخر وهو: أن يُظن أن العطف على (إخوتكم قريش) فيفسد معنى البيت.([135])
         وكذلك فعل في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13)} [البقرة: 11 - 13]، فقد يكون ترك العطف للاستئناف كما قال الجرجاني، أو حتى لا يتوهم أنه من قولهم.([136]) وكذلك في قول الشاعر:
ملكته حبلي ولكنه


ألقاه من زهدٍ على غاربي

وقال إني في الهوى كاذب


انتقم الله من الكاذب.

ذكره الجرجاني شاهداً على الاستئناف ، وجعله السكاكي من باب الانقطاع للاختلاف في الخبر والإنشاء.([137])
11.فصّل الجرجاني الحديث في عطف الجمل بعضها على بعض بحسب ما يُفهم من معانيها([138]) ،ولم يعرض لذلك السكّاكي.
12. تحدث السكّاكي عن محسنات الوصل ودللّ عليها ، ولم يعرض لها الجرجاني.([139])

الخاتمة
توصلت هذه الدراسة إلى النتائج الآتية:
- تحدث عبد القاهر الجرجاني عن أحوال الجمل من حيث الفصل والوصل، وبيّن أنّها ثلاثة: جمل بينها اتصال لغاية لكونها صفة أو مؤكدة لسابقتها فلا نعطف بينها، وجمل تصلح أن تكون فيه الجملة الثانية جواباً عن سؤالٍ مقدّر بعد الأولى على سبيل الاستئناف، وجمل ليست في شيء من الحالين فنعطف بينها.
- مدار الفصل والوصل عند الجرجاني في الجمل التي لا محل لها من الإعراب؛ لأن الإشكال يعرض فيها دون غيرها.
- تحدث الجرجاني عن أنّ العطف بين الجمل يعتمد على المعاني، فقد تُعطف الجملة الأولى لا على سابقتها ولكن على جملة قبل ذلك بحسب تناسب المعاني.
- وتحدث السكّاكي عن حالات كمال الاتصال بين الجملتين والتي توجب الفصل بينها إن كانت الجملة الثانية بدلاً من الأولى، أو عطف بيان، أو وصفاً، أو تأكيداً، أو عطف نسق، وتحدث عن حالات كمال الانقطاع لاختلاف الجملتين في الخبر والإنشاء، أو  لاتفاقهما ،ولكن لعدم وجود الجامع. وتحدث عن الاستئناف البياني وضرب له شواهد.
- تباينت مناهج العرض وأساليبه عند الجرجاني والسكّاكي لموضوع الفصل والوصل نظراً لتباين مناهج المدارس التي انتميا لها ، فالجرجاني هو رائد المدرسة الأدبية التي تميزت بسهولة العرض، ووضوح العبارات وسلاستها والبعد عن كثرة التقسيمات والمصطلحات المنطقية، فضلاً عن اعتمادها الذوق والحس الأدبي، وإكثارها من الشواهد وشرحها بسهولة ويسر. وأما السكّاكي فقد انتمى إلى المدرسة الكلامية التي اعتمدت المصطلحات المنطقية ، والعبارات الغامضة ، والتقسيمات والتفريعات العقلية، واعتمادها القوانين في تناول البلاغة أكثر من اعتمادها الذوق والإحساس الأدبي.
- اتفق الجرجاني والسكّاكي في كثير من المسائل والآراء العلمية؛ لأنّ السكّاكي قد اعتمد في كتابه على ما كتبه الجرجاني الذي كان له قصب السبق، واختلفا في بعض المسائل التي تميز بها كلٌ منهما عن الآخر، سواءً أكان بزيادةٍ أو نقصانٍ في تفصيل حالات الفصل والوصل، أو كان باختلاف توجيه الشواهد، أو بالاقتصار على حرف الواو دون غيره، أو الاقتصار على الجمل التي لا محل لها من الإعراب، أو عدم الاقتصار، ولكنّ هذه الاختلافات كانت فرعيةً لم تخرج الاتفاق العام عن جوهره بينهما في مسائل الفصل والوصل.
 الهوامش


[1] . انظر الجاحظ (255هـ)، أبو عثمان عمرو بن بحر، البيان والتبيين،تحقيق عبد السلام  محمد هارون دار الفكر بدون طبعة  وتاريخ،1/ص88.
[2] . انظر في ترجمته. الباخرزي (467هـ)، علي بن الحسن بن أبي الطيب، دمية القصر وعُصرة أهل العصر، تحقيق ودراسة: د. محمد التونجي، دار الجيل، بيروت، ط1، ( 1993م)، 1/ص (578-594).  وابن الأنباري (577هـ)، وأبو البركات كمال الدين عبد الرحمن بن محمد. نزهة الألباء في طبقات الأدباء. تحقيق. د. إبراهيم السامرائي، مكتبة المنار، الزرقاء، ط 3، (1985م)، ص (264-265). والقفطي (646هـ)، الوزير جمال الدين أبو الحسين علي بن يوسف، إنباه الرواة على أنباء النحاة، تحقيق. محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1952م، 2/ ص (188-190). والكتبي (764هـ)، محمد بن شاكر، فوات الوفيات والذيل عليها، تحقيق. إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1974م، 2/ ص (369-370). واليافعي (768هـ)، أبو محمد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان اليميني المكي، مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يُعتير من حوادث الزمان، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1997م، 3/ ص78.و السبكي (771هـ)، تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي، طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو، مطبعة عيسى البابي الحلبي، 3/ ص242.وابن تغري الأتابكي (874هـ)، جمال الدين أبو المحاسن يوسف، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1935م، 5/ص108. والداودي (945هـ)، محمد بن علي بن أحمد، طبقات المفسرين، دار الكتب العلمية، لبنان،  ط1، 2002م، ص232. وابن العماد الحنبلي (1089هـ)، شهاب الدين أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1998م،4/ص33.
[3] . انظر القفطي. إنباه الرواة، 2/ص 188.
[4] . انظر الكتبي، فوات الوفيات، 2/ص 369.
[5] . انظر ابن الأنباري، نزهة الألباء، ص 264، والكتبي، فوات الوفيات، 2/ص 369.
[6] . الباخرزي، دمية القصر، 1/ص 578.
[7] . اليافعي، مرآة الجنان، 3/ ص 78.
[8] . ابن تغرى، النجوم الزاهرة، 5/ ص 108.
[9] . انظر الكتبي، فوات الوفيات، 2/ص370، واليافعي، مرآة الجنان، 3/ ص78، والسبكي، طبقات الشافعية الكبرى، 3/ ص242، والداودي، طبقات المفسرين، ص232، وابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب، 4/ ص33.
[10] . يُنظر في ترجمته: ابن أبي الوفا (775هـ)، محيي الدين أبو محمد عبد القادر، الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، تحقيق د.عبد الفتاح الحلو، دار إحياء الكتب، الرياض، 1993، 3/622. وابن قطلوبغا (879هـ)، أبو الفداء زين الدين قاسم، تاج التراجم، دار القلم، دمشق، ط1، 1992م، ص314. والسيوطي (911هـ)، جلال الدين عبد الرحمن، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، مطبعة عيسى الحلبي وشركاه، ج2، ط1، 1965م، ص364. والسيوطي، لب اللباب في تحرير الأنساب، مكتبة المثنى، بغداد،بدوت تاريخ، ص137. وابن العماد الحنبلي (1089هـ)، شهاب الدين أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1998م، 5/222. واللكنوي (1302هـ)، عبد الحي، الفوائد البهية في تراجم الحنفية، ندوة المعارف، الهند، 1947م، ص184، والحاجي الموسوي، محمد باقر، روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات، قم، طهران، بدون طبعة وتاريخ، 8/220.
[11] . مطلوب، د. أحمد، البلاغة عند السكّاكي، مكتبة النهضة، بغداد، ط 1، 1964م، ص 46.
[12] . لب الألباب في تحرير الأنساب، ص 137.
[13] . الموسوي، روضات الجنات، 8/220.
[14] . الفوائد البهية في تراجم الحنفية، ص 184.
[15] .الجرجاني (471هـ)، عبد القاهر، دلائل الإعجاز، تحقيق عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2001م، ص148.
[16] . السكّاكي (626هـ)، أبو يعقوب يوسف بن محمد بن علي، مفتاح العلوم،تحقيق عبد الحميد هنداوي دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2000م، ص 357.
[17] . الفراهيدي (175هـ)، الخليل بن أحمد، كتاب العين، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 2005م، ص 745.
[18] . انظر ابن منظور (711هـ)، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط4، 2005م، مادة (فصل)، 11/188.
[19] . انظر دلائل الإعجاز، ص 154.
[20] . انظر مفتاح العلوم، ص 357.
[21] . كتاب العين، ص 1052-1053.
[22] . لسان العرب، مادة (وصل)، 15/ 224-225.
[23] . انظر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص148، والسكّاكي، مفتاح العلوم، ص 357.
[24] . المراغي. أحمد مصطفى، علوم البلاغة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 4، 2002م، ص 162.
[25] . انظر دلائل الإعجاز، ص 148.        
[26] . انظر المصدر السابق، ص (148-149).
[27] . أبو تمام، شرح ديوان أبي تمام للخطيب التبريزي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 1، 1992م، 2/146.
[28] . انظر دلائل الإعجاز، ص (149-150).
[29] . المصدر السابق، ص 150.
[30] . ديوان أبي تمام، 2/47.
[31] . انظر دلائل الإعجاز، ص (150-151).
[32] . انظر المصدر السابق، ص (151-154).
[33] . انظر المصدر السابق، ص 153.
[34] . المصدر السابق، ص 154.
[35] . انظر المصدر السابق، ص (154-156).
[36] . المصدر السابق، ص 156.
[37] . انظر المصدر السابق، ص (156-161).
[38] . انظر المصدر السابق، ص 158.
[39] . البرقوقي، عبد الرحمن، شرح ديوان المتنبي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2، 2007م، 3/29.
[40] . دلائل الإعجاز، ص 159.
[41] . انظر المصدر السابق، ص 161.
[42] . المصدر السابق، ص 161.
[43] . البرقوقي، عبد الرحمن، شرح ديوان المتنبي، 3/246.
[44] .انظر المصدر السابق، 3/246.
[45] . دلائل الإعجاز، ص 162.
[46] . المصدر السابق، ص 163.
[47] . انظر المصدر السابق، ص 164.
[48] . وقد كان الفن الأول عن تفصيل اعتبارات الإسناد الخبري، والفن الثاني في تفصيل اعتبارات المسند إليه، والفن الثالث في اعتبارات المسند.
[49] . السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 357.        
[50] . انظر دلائل الإعجاز، ص 161.
[51] . انظر مفتاح العلوم، ص 357.
[52] . انظر دلائل الإعجاز، ص 148.
[53] .انظر مفتاح العلوم، ص 357.
[54] .انظر دلائل الإعجاز، ص (148-149).
[55] .انظر مفتاح العلوم، ص 358.
[56] .انظر المصدر السابق، ص 360.
[57] .انظر دلائل الإعجاز، ص 148.
[58] .انظر المصدر السابق، ص 149.
[59] . انظر مفتاح العلوم، ص (360-361).
[60] . انظر المصدر السابق، ص (360-370).
[61] . انظر المصدر السابق، ص 362.
[62] . انظر المصدر السابق، ص 363.
[63] . انظر المصدر السابق، ص 366.
[64] . انظر المصدر السابق، ص 366.
[65] . انظر المصدر السابق، ص 367.
[66] . انظر المصدر السابق، ص 369.
[67] . انظر المصدر السابق، ص (370-371).
[68] . انظر دلائل الإعجاز، ص (156-161)، وانظر مفتاح العلوم، ص (370-376).
[69] . انظر مفتاح العلوم، ص 376.
[70] . انظر المصدر السابق، ص 377.
[71] . انظر دلائل الإعجاز، ص (151-152)، وانظر مفتاح العلوم، ص (377-378).
[72] . انظر دلائل الإعجاز، ص 152، وانظر مفتاح العلوم، ص 378.
[73] . انظر المصدر السابق، ص 153، وانظر مفتاح العلوم، ص 379.
[74] . انظر مفتاح العلوم، ص 379.
[75] . انظر دلائل الإعجاز، ص 158.
[76] . انظر مفتاح العلوم، ص (380-381).
[77] . انظر دلائل الإعجاز، ص 150، وانظر مفتاح العلوم، ص 381.
[78] . انظر مفتاح العلوم، ص 382.
[79] . العسكري (395هـ)، أبو هلال الحسن بن عبد الله، كتاب الصناعتين، الكتابة والشعر، تحقيق د.مفيد قمحة, دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2،  1989، ص18.
[80] . انظر السيوطي (911هـ)، جلال الدين عبد الرحمن، حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، طبعة مصر، 1329هـ،  1/190.
[81] . انظر الخولي، أمين، فن القول، دار الفكر العربي، القاهرة، 1947، ص (79-104).
[82] . انظر المصدر السابق، ص (80-87).
[83] . انظر المصدر السابق، ص (87-90).
[84] . انظر حسين (1939هـ)، د. طه، مقدمة كتاب قدامة بن جعفر البغدادي كتاب نقد النثر، تحقيق. د. طه حسين وعبد الحميد العبادي، مطبعة مصر، 1939م، ص (28-39).
[85] . المصدر السابق، ص 14.
[86] . انظر ضيف، شوقي، البلاغة تطور وتاريخ، دار المعارف، مصر،  1965م، ص 191.
[87] . انظر الخولي، فن القول، ص 81 وما بعدها.
[88] . انظر الملاّ حويش، د.عمر، تطور دراسات إعجاز القرآن وأثرها في البلاغة العربية، مطبعة الأمة، بغداد، 1972م، ص (379-382).
[89] . انظر طبانة (1962م)، أحمد أحمد، عبد القاهر الجرجاني وجهوده في البلاغة العربية، المؤسسة المصرية العامة، مصر، ص (390-418).
[90] . انظر أبو موسى (2005م)، محمد محمد، مراجعات في أصول الدرس البلاغي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط 1، ص (159-181).
[91] . انظر عباس (2011م)، أ.د. فضل حسن، البلاغة المفترى عليها بين الأصالة والتبعية، دار الثقافة، عمان، ط 1، ص (189-224).
[92] .طبانة، د. بدوي، البيان العربي، مطبعة الرسالة ومكتبة الأنجلو المصرية، عابدين، ط 3، 1962م، ص (245-246).
[93] . انظر د. أحمد مطلوب، البلاغة عند السكّاكي، ص 159.
[94] . انظر المصدر السابق، ص (159-187).
[95] . ضيف، د. شوقي، البلاغة تطور وتاريخ، ص 313.
[96] . انظر البلاغة عند السكّاكي، ص (344-349).
[97] . ابن خلدون (808هـ)، عبد الرحمن بن محمد، مقدمة ابن خلدون، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، 2004م، 3 /1137 .
[98] . انظر دلائل الإعجاز، ص 148.
[99] . المصدر السابق، ص 150.
[100] .انظر مصطفاوي، عبد الجليل، ظاهرة الفصل والوصل بين النحو والبلاغة (مخطوط)، رسالة ماجستير في جامعة حلب سنة 1987م، إشراف د. محمد حمويه ود. تامر سلوم، ص 159.
[101] . مفتاح العلوم، ص357.
[102] . انظر المصدر السابق، ص (361-366).
[103] . انظر المصدر السابق، ص 357.
[104] . انظر المصدر السابق، ص 358.
[105] . انظر المصدر السابق، ص (360-382).
[106] . انظر المصدر السابق، ص (360-361).
[107] . انظر المصدر السابق، ص (377-381).
[108] . مطلوب. د. أحمد، البلاغة عند السكّاكي، ص 217.
[109] . انظرالجرجاني،  دلائل الإعجاز، ص 148،  ص 154، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 357.
[110] . انظر  الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 161، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 357.
[111] . انظر  الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 148، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 357.
[112] . انظر  الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص (148-149)، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 357.
[113] . انظر  الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 149، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 358.
[114] . انظر  الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 150، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 359 ، ص (361-366).
[115] . انظر  الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 150، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص (362-363).
[116] . انظر  الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 151، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 358.
[117] . انظر  الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 155، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 367.
[118] . انظر  الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص (156-161)، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص (370-375).
[119] . انظر  الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 162.
[120] . انظر السكاكي، مفتاح العلوم، ص 370.
[121] . انظر المصدر السابق، ص371 .
[122] . انظر  الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 148، ص (154-155)، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص (360-361).
[123] . انظر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 148، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 357.
[124] . أبو موسى، محمد محمد، دلالات التراكيب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط 4، 2007م، ص (267-268).
[125] . انظر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص (148-149)، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 357.
[126] . القزويني (739هـ)، جلال الدين محمد بن عبد الرحمن، تلخيص المفتاح،شرح ووضع حواشيه د. ياسين الأيوبي المكتبة العصرية، بيروت، ط 1، 2002م، ص 108.
[127] . السبكي (773هـ)، بهاء الدين، عروس الأفراح، المكتبة العصرية، بيروت، ط 1، 2003م، 1/479.
[128] . التفتازاني (792هـ)، سعد الدين مسعود، المطول، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1، 2004م، ص 433.
[129] . انظر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 149، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 358.
[130] . انظر مفتاح العلوم، ص 360.
[131] . انظر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 151، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 361، ص 376.
[132] . انظر مفتاح العلوم، ص (358-359).
[133] . انظر مفتاح العلوم، ص 358.
[134] . انظر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص (148-151)، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 359،
ص (362-366).
[135] . انظر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 157، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 371.
[136] . انظر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 155، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 372.
[137] . انظر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 158، وانظر السكّاكي، مفتاح العلوم، ص 379.
[138] .انظر . دلائل الإعجاز، ص (163-164).
[139] . انظر مفتاح العلوم، ص 382.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire